الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

طبطبائي ينتقد حكومة نجاد لاهتمامها بالطاقة النووية


وجّه حجّة الإسلام سيد مهدي طباطبائي شيرازي، الذي يعرفه الإيرانيون بسبب عظاته الأخلاقية على التلفزيون الرسمي الإيراني، انتقادات عنيفة للرئيس محمود أحمدي نجاد ومساعديه، وذلك في نقاش تمّ بثّه مباشرة على القناة الثانية في التلفزيون الإيراني.
أخطر ما جاء في كلام حجة طباطبائي هو التشكيك علنا ومن خلال التلفزيون الحكومي بـ"أولوية" مسألة الطاقة النووية، وهذا غير مسبوق في إيران.
وردّا على تركيز النظام على الطاقة النووية، قال طباطبائي: "لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟" وأكمل قائلاً إن حق الناس في الزواج والحصول على منزل وعلى عمل يعتبر أولوية أهم.
خطورة هذا الكلام من رجل دين محسوب على النظام هو أنه يعكس ما تفيد المعلومات الواردة من طهران من أن الشعب الإيراني بات يعتبر مشروع الطاقة النووية مشروع أحمدي نجاد ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وليس مشروعاً وطنياً إيرانياً ينبغي الدفاع عنه. وهذا التطوّر يسقط حجّة الغرب الذي كان يتخوّف من أن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية سيدفع الإيرانيين للإلتفاف حول النظام.
كذلك، يلفت حديث طباطبائي النظر إلى تخوّفه الشديد، مثله مثل معظم المراجع الدينية في قم، من أن سياسات النظام تُبعد الناس عن المذهب الشيعي. وحول هذه النقطة التي أصبحت شبه كابوس لكبار رجال الدين (بعد أن أصبحت المساجد خاوية في ساعات الصلاة)، قال: "أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
أخيراً، وفي تلميح شفاف إلى أحمدي نجاد، يقول طباطبائي: "من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين".
وفي مطلع الحلقة، قال طباطبائي لمقدّم البرنامج مرتضى حيدري: "أريد أن أوضح بأنني لا أسمح لك باستخدام ما سأقوله في هذه الحلقة من أجل ما تفكّر به أنت".
وردّاً على سؤال حول كيفية انتشار "الشائعات" في المجتمع، قال طباطبائي: "حينما تكرّر العزف على نفس الموضوع، فإنك تخلق شكوكاً لدى المستمعين. لقد هنّأت الرئيس أول مرة لإعادة إنتخابه، وذلك يكفي. فلماذا تلحّ وتكرّر أن الملايين شاركوا في الانتخابات واقترعوا لشخص معيّن قبل أن تعود لتهنئته مجدّداً؟، كم مرّة ستعبّر عن تقديرك لمشاركة الناس الكبيرة. هنالك مَثَل يقول: لقد أخبرتني مرّة، فصدّقتك. وأخبرتني مرة ثانية، فبدأت الشكوك تساورني. وفي المرة الثالثة، بتّ متأكّداً أنك تكذب. من الأفضل لرجل بات الآن رئيسا للبلاد أن يسأل الذين أيّدوا خصومه ماذا يريدون لكي يستطيع، كرئيس، أن يعبّر عن وجهات نظرهم أيضا". وأضاف: "الأنبياء كانوا متواضعين، وأظهروا اللين حينما تعرّضوا للهزء والسخرية. نحن لسنا أنبياء، ويجدر بنا أن نعتذر للشعب، على التلفزيون، عن الأخطاء التي ارتكبناها".
وعاد مقدّم الحلقة، الذي بدت عليه الصدمة من كلام طباطبائي ليسأل عن أسباب انتشار "الشائعات" في المجتمع. وأجاب طباطبائي قائلا: "المجتمع يشبه جسم الإنسان. حينما يعمل بصورة جيدة فإنه يكون متوازناً. ولكن حينما نعبّر عن نزعات متطرّفة فإن النتائج تكون مثل ما نراه اليوم. أنت طبيب، ولذا فأنت تعرف أنه لا ينبغي لك أن ترشّ الملح على الجُرح، بل عليك أن تضمّده. لا نستطيع أن نَخفض رؤوسنا وأن نظن أن الناس لا يرون حقيقة ما نفعل. كلا، الناس يفهمون الأمور جيّداً. لا ينبغي أن نقول أن كل ما يقوله الشعب هو أكاذيب. أريد أن أقول للناس أن هنالك طرقاً أسهل وأقل تعقيداً لكي يُسمِعوا أصواتهم. ولكن الشخص الذي يكذب يبدّل رواياته باستمرار ويشعر بالذعر. ليشهد الله على أنني استخدمت هذه الفرصة لأقول كل ما ينبغي قوله".
وأضاف "الشخص الضعيف وغير القادر على ممارسة مسؤولياته يتّهم الآخرين دائماً. من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين. لا تظنّ أنني مستعد أن أفعل أي شيء من أجل الجمهورية الإسلامية ومن أجل الحفاظ على المؤسسة. كلا. كثيرون يسألونني لماذا لا أتقلّد منصباً رفيعاً مع أنني من قدامى رجالات الثورة. وأنا أجيبهم دائماً: لأنني لا أعرف كيف أزحف للحصول على منصب".
وهنا طلب مقدّم الحلقة من طباطبائي أن يقول للناس من هو الشخص الذي كان "القائد" (خامنئي) يفكّر به حينما أعلن أنه "لا ينبغي نشر الشائعات عبر توجيه الاتهامات".
فرد طباطبائي بأن "القائد" كان يخاطب الأمة كلها، بما فيها الأشخاص العاجزين والغاضبين. وأضاف: "لا ينبغي لك أن تكثر التفكير في هذه النقطة وأن تصمّم على تحديد شخص معيّن كان القائد يقصد تحذيره هو بالذات. حينما يعود طفل من المدرسة إلى البيت وينادي أمّي ولا يردّ عليه أحد، فإنه يكرّر النداء. وفي المرة الثانية، فإنه يرفع صوته ويظهر عليه ردّ فعل. وفي المرة الثالثة، فإنه قد يشرع حتى برمي الصحون.. لماذا لم تسمعوا نداء الطفل من المرة الأولى حتى أصبحتم مضطرّين الآن للقيام بما تقومون به؟ ما أريد أن أقوله هو أنه ينبغي معالجة الوضع وليس دفعه نحو مزيد من السوء. وللحؤول دون زيادة التوتّرات، ينبغي لنا أن نسعى لإعادة الهدوء المفقود".
وأضاف: "الطاقة النووية مسألة مهمّة وهي حقّ لنا لا يجوز التنازل عنه. ولكن أليست القدرة على الزواج وبناء منزل والحصول على وظيفة، هي حقوق لا يمكن التنازل عنها أيضاً؟ أليست لهذه المسائل أولوية على الطاقة النووية؟ لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟ حينما عاد الإمام الخميني إلى البلاد، فإنه لم يقُل: جلبت لك الطعام والماء، لأن الناس كانوا في بحبوحة آنذاك. بالأحرى، فقد قال: لقد جلبت لكم الروحانية. في ذلك الحين، كانت الروحانية في خطر، ولذلك كانت الأولوية للإيمان في ذلك الحين".
وهنا سأل مقدّم الحلقة عن كيفية انتشار الشائعات والاتهامات في صفوف النخبة، فأجاب:
"لا ينبغي أن نعتبر أن أي تقرير وأي اتهام بمثابة إطلاق مزاعم. بالأحرى، علينا أن نأخذ التقرير ونحقّق حوله، لأننا إذا لم نفعل ذلك فستتوقّف التقارير. إن ديننا نفسه ينصحنا بتحمّل المسؤولية. للحؤول دون انتشار الشائعات علينا أن نتوقّف عن ترديد أشياء غير مهمّة تخفي خلفها أشياء مهمّة. إن أفعالنا لا ينبغي أن تكون من النوع الذي يُبعِدُ الناس عن الإيمان. إنهم يسألون: لماذا ظلّت النخبة صامتة؟ أنا لا أعتبر نفسي من النخبة، ولكن ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ أن نخرق الصمت لكي تشهّروا بسِمعتنا؟ ولكي تدمّروا مصداقيّتنا؟ إذا كنتم تريدون أن تعيدوا الإيمان للناس، فعليكم أن تفعلوا مثلما حصل في مطلع الثورة: استخدموا السياسيين للسياسة. أما شؤون الدنيا، فاتركوها لـمراجع التقليد. الدين ينبغي أن يُترَك لرجال الدين، وليس للعامّة. أنا لا أعرف شيئاً عن الهندسة، ولذا فإنني لا أتدخّل في الشؤون الهندسية. والشيء نفسه ينطبق على شخص لا يعرف شيئاً عن الدين. فعليه أن يمتنع عن إبداء آرائه في الشؤون الدينية".
وأضاف "ينبغي للسيد (إسفنديار رحيم) مشائي أن يكتفي بالتعبير عن آرائه في حدود ما يفهم به وألا يتعدّاها إلى سواها. مؤخراً، كتب هذا السيد (أحمدي نجاد) في رسالة أن حكومته هي أكثر حكومات القرن الماضي ورعاً وإيماناً. ماذا يعني ذلك؟ حاشا الله! هل يعتبر نفسه أكثر ورعاً من الإمام الخميني؟ لقد عشت حياتي ولم يبقَ لي الكثير. ولكنني أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت - لا سمح الله - قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
نقلا عن موقع "شفاف"

الاثنين، 21 سبتمبر 2009

سلام أصدقائي الخونة - مقال لحسن فحص

سعيد حجاريان، محسن ميردامادي، بهزاد نبوي، احمد زيد آبادي، مصطفى تاجزاده، محسن امين زاده، عبدالله رمضان زاده، محسن صفائي فرهاني، محمد قوتشاني، محمد عطريانفر، محمد علي ابطحي، محمد رضا جلائي بور، فيض الله عرب سرخي،.... اسماء لا تتداعى فقط في الذاكرة، بل تستدعيها بقوة تلك الصور التي تنشرها الوكالات الايرانية للمتهمين بالثورة المخملية الذين تجري محاكمتهم هذه الايام في العاصمة الايرانية طهران.
من الذاكرة، عندما كانت الثورة الاسلامية الايرانية في اوج عنفوانها، وفي المرحلة التي كانت تواجه كما كبيرا من الرفض الدولي ومحاولات الاطاحة بها، كنا وكان الجميع في العالم الثالث المسكون بحلم الثورة والتغيير الثوري والمقاومة ومحاربة الامبريالية، يقبل من دون تردد او نقاش كل الاعمال التي تحدث في الداخل الايراني من اجل الحفاظ على الثورة وقيمها واهدافها، وكان الجميع يقبل من دون نقاش كل التهم التي توجه لاي معتقل والاحكام التي تصدر بحقه من قبل المحكمة الثورية الايرانية الاسلامية.
وقد وصلت الامور الى حد ادانة آية الله الشيخ حسين علي منتظري، نائب قائد الثورة وخليفته المفترض في قيادة الثورة بسبب اعتراضاته على بعض المحاكمات والاحكام الصادرة على بعض المعتقلين في سجون الثورة والتي انتهت باعدامهم جميعا، وقد تقبل معظم الذين يقفون الى جانب ايران في العالم، خصوصا في العالم العربي الموقف السلبي من منتظري والذي انتهى بعزله ولاحقا فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله ومنع اقرب المقربين له من رؤيته.
واذا كان التنظير الثوري ومنطقه على مدى التاريخ يحاول ترسيخ مفهوم "الثورة تأكل ابناءها"، الا اننا ما نشهده في ايران هو محاولة لأسلمة هذا المفهوم الذي كرسته التجربة الماركسية الستالينية في الاتحاد السوفياتي وكذلك التجربة الكوبية في التعامل مع تشه غيفارا، من خلال الحديث عن مفهوم جديد هو "تساقط الثوريين الاوائل وصعود ثوريين جدد".
وينطوي هذا المسار الجديد على اشكاليات كثيرة والتباسات اكثر تعقيدا، حيث ان الثوريين الاوائل، ومن منطلق الحفاظ على تراث الثورة ومبادئها واصولها، يحاولون اليوم في ايران العودة الى الشعارات الاولى التي رفعت قبل الانتصار في العام 1979 وما فيها من ابعاد ديمقراطية وانسانية وحريات وتأكيد على دور الشعب في تحديد مسارات الثورة والدولة. وما تحاول ان تؤسس له هذه الشعارات من الخروج من منطق الثورة الى منطق الدولة الديمقراطية بكل مؤسساتها الدستورية والمدنية. في حين ان الثوريين الجدد، يحاولون التخلص من الارث الديمقراطي الذي تأسس مع قائد الثورة الراحل الامام الخميني والكتلة الاولى التي حملت المشروع معه، والاتجاه به نحو تحويل كل مظاهر العملية الديمقراطية الى مظاهر شكلية لخدمة هدف واحد يصب في اطار تعزيز الحكومة الدينية.
وعلى الرغم من كل الاعترافات التي ادلى ويدلي بها المتهمون في قضية التدبير للثورة المخملية ضد نظام الجمهورية الاسلامية والاقرار بالتهم التي توجه لهم في قاعات المحكمة هذه الايام، الا ان الهدف الاساس الذي يحاكمون من اجله يمكن في مكان اخر مختلف عما يدور الحديث عنه.
فسعيد حجاريان يعرف الكثير من التفاصيل عن قادة المرحلة الحالية من عمر الثورة وايران والنظام، فهو الذي قاد الحرب النفسية وعبأ الداخل الايراني خلال الحرب العراقية الايرانية، وهو الذي وضع الاسس الاولى لجهاز المخابرات الذي كان تابعا حينها لرئاسة مجلس الوزراء "نخست وزيري" وهو الذي اوصى بعدم تعيين (سعيد امامي) خلفا له بعد خروجه من وزارة الامن وبدء التنظير للمشروع الاصلاحي. وسعيد امامي هو الذي قاد عمليات الاغتيال للمثقفين والسياسيين بداية عهد محمد خاتمي في رئاسة الجمهورية والتي انتهت باعتقاله وانتحاره المدبر في سجن ايفين الشهير لطمس معالم الجهات التي كانت تقف وراءه.
لهذا السبب يحاكم سعيد حجاريان، اضافة لكونه كان من اول المنضمين للخلية التي قامت باحتلال السفارة الامريكية بعد ان اعلن الامام الخميني دعمه لعمل الطلاب وايد توجهاتهم السياسية. الى جانب انه تحول لاحقا وفي المرحلة الاصلاحية الى المنظر لهذه الحركة ومؤثرا في توجهاتها ما حدا بقوة التيار المتشدد الى تدبير اغتياله على درج مقر بلدية طهران عندما كان يشغل منصب نائب رئيس البلدية بداية عام 2000.
اما محسن ميردامادي، فانه يحاكم على مساهمته في قطع العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والقيام باحتلال السفارة الامريكية، وليس غريبا ان تسكت كل الاصوات المدافعة عن الديمقراطية والحريات وكل جمعيات المجتمع المدني في الولايات المتحدة الامريكية امام هذه المحاكمة، لان ميردامادي يعتبر رمزا ارهابيا لا بد من مجازاته على فعلته، وهذه المحاكمة قد تعتبر محاكمة غير مباشرة لمرحلة وجود الامام الخميني على رأس الثورة وقيادتها وتبنيه للتحرك الذي قام به هؤلاء الطلاب واطلق عليه اسم "الثورة الثانية".
ويحاكم ميردامادي لانه اعاد النظر في بعض التصرفات التي حدثت في المرحلة الثورية الاولى واسلوب التعاطي مع المسائل الداخلية والخارجية، فرفض التضييق والحضر المفروض على حركة تحرير ايران، فذهب الى التحالف معها بعد توليه منصب الامين العام لحزب المشاركة، وقدم مراجعة موضوعية لما قام به من احتلال للسفارة الامريكية في طهران مع رفاقه السبعة الذي شاركوه في العملية والذين قدموا المراجعة ذاتها وانضموا الى التيار الاصلاحي وحزب المشاركة الى جانبه.
ويحاكم ميردامادي لانه قدم قراءة ديمقراطية لمفاهيم الثورة الاسلامية انطلاقا من الاسس التي وضعها الامام الخميني. وسعى لاعادة ترسيخها بعد ان شاهد محاولات جر الثورة والجمهورية الاسلامية بعيدا عن هذه المفاهيم.
ومن بين الوجوه التي تطل من داخل قاعة المحكمة تعلو فمها ابتسامة تحمل الكثير من المعاني والابعاد، وجه يحمل كل تجاعيد الثورة على محياه، انه بهزاد نبوي، القيادي في منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية، هذه المنظمة التي كان عناصرها ينشطون قبل الثورة في مقارعة النظام الملكي تحت اسم " منصورون " والذين تولوا المهمة الاولى في الدفاع عن الثورة بعد انتصارها امام مؤامرات ضربها، وشكلوا النواة الاولى لما بات يعرف لاحقا باسم "حرس الثورة الاسلامية" والتي تولت قيادة عمليات المواجهة في الحرب العراقية الايرانية وقدمت خيرة شبابها وقادتها.
ويحاكم بهزاد نبوي لانه آمن بموقف الخميني بعدم السماح "للعسكر والحرس بالتدخل في الشؤون السياسية" وحتى يكون مع زملائه مثل مصطفى تاجزاده وفيض الله عرب سرخي الذين يحاكمون الى جانبه، بعيدين عن هذه الشبهة قرروا الاستقالة او الخروج من حرس الثورة وتشكيل "منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية" التي كانت تعتبر الاكثر تشددا في ثوريتها ومواقفها، لتكون الشكل الذي ينظم عملهم السياسي والبقاء اوفياء لمن احبهم واحترمهم قائدهم الخميني.
ويحاكم محمد جلائي بور لان جده قدم ثلاثة من ابنائه شهداء في الدفاع عن الثورة، ولانه كان الطالب المميز والمتفوق في دراسته الجامعية ورفض الانضمام الى التعبئة الطلابية الجامعية " البسيج " وفضل ان يكمل دراسته العملية في بريطانيا على نفقة والده الذي يعتبر ابنا لاحد كبار تجار بازار طهران، واحد نشطاء التيار الاصلاحي وحزب المشاركة.
ويحاكم محمد قوتشاني، لانه شاب عصامي تحول الى محط انظار الحصافة في ايران والداخل، ولانه استطاع ان يكون محور النشاط الصحفي الاصلاحي وهو في سن الشباب.
يحاكم قوتشاني لانه تخرج من "نازي اباد" احد الاحياء الفقيرة في طهران، حيث كان يشاهد شبابا ثوريين يحملون هم الثورة والدولة على عاتقهم مثل سعيد حجاريان واكبر كنجي وعماد الدين باقي وكتب عنهم وعن تجربتهم ورافق كل التحولات الثورية والسياسية التي عايشوها ومروا فيها.
القائمة تطول، لكن الخوف من ان يقول هؤلاء كل ما يعلمونه وما يعرفونه، وان يسمع الناس ما يقولونه، فقد تحولت المحكمة الى محكمة غير علنية، لان القائمين عليها يدركون بان كل ما يقوله هؤلاء وما سيعترفون به لن يصدقه الناس، وان الاعترافات لا تمت للحقيقة بصلة، حتى وان وصلت الاعترافات حد ادانة انفسهم، وهذا ليس غريبا على الجمهور الايراني الذي عايش وعرف مثل هذه الاعترافات والمحاكمات في عمر الثورة وبات يدرك انه اخطأ في تصديق المحاكمات التي جرت في الماضي. وليس عجيبا ان تزداد شعبية الاشخاص الذين قدموا اعترافات امام المحكمة مثل محمد علي ابطحي ومحمد عطريانفر بدل ان تتراجع على الرغم من كل التهم التي توجه لهم.
في المقابل، وعلى الرغم من جميع محاولات تلميع صورهم، فان الجهات التي تقف وراء الاحداث الاخيرة والمحاكمات لم تستطع كسب ثقة الشارع الشعبي المؤيد لها باستثناء الجماعات المستفيدة , وتعرض موقع الحرس الثوري الذي كان ينظر له بين كل اوساط وتنوعات الشعب الايراني بنظرة احترام كونه يشكل ذراع ايران القوية والخط الاول للدفاع عن بلدهم.
وقد انتجت الاحداث الاخيرة ازمة لم تكن في حسابات الجهات التي وقفت وراء عملية اعادة محمود احمدي نجاد الى السلطة، وفضحت مشروعها الرامي الى الغاء الجمهورية الاسلامية بما تمثله من بعد ديمقراطي ومؤسساتي لصالح عملية تحويل ايران الى دولة خلافة اسلامية - ثيوقراطية تقوم على البعد الالهي والغيبي في اختيار قادتها، وتنزيل المشاركة الشعبية في هذا الاختيار الى الحد الادني والشكلي بحيث يكون دورها فقط الاستفتاء على هذا التعيين، واذا ما كان رأيها مطابقا لما يراه المختار يقبل به، اما اذا كان اختيارها غير مطابق فان المختار له حق التدخل وتصويب المسار باعادة اختيار الانسب حتى ولو كان على حساب رأي الشعب وانتخابه.
hassanfahs@hotmail.com

الأحد، 13 سبتمبر 2009

سروش: سوف نحتفل بانهيار الديكتاتورية الدينية

وجّه المفكّر الإيراني المرموق الدكتور عبد الكريم سروش، خطاباً مفتوحاً إلى مرشد الثورة في إيران آية الله علي خامنئي. ودعا سرّوش في خطابه إلى الاحتفال بـ"سقوط الطرق العنيفة" في الحكم، مضيفاً أن إعلان خامنئي بأن ما حدث بعد الانتخابات الرئاسية قد "أساء إلى كرامة النظام" هو أسعد نبأ سمعه في حياته.
في ما يلي مقتطفات من خطاب سروش لخامنئي، وقد نقل موقع "شفاف" عن الترجمة الإنجليزية، وقال بأن ذلك قد لا يفي سروش حقّه في هذا النص الرائع:

عرس الدم انتهى ودخلت العروس المزيّفة إلى مخدع الزوجية. صناديق الاقتراع ارتجفت ذعراً ورقصت الشياطين في الظلمة. انتظر الضحايا في أكفان دفنٍ بيضاء وصفّق السجناء بأذرع مقطوعة. رافق العالم العروسَ بحنق في عين وبكراهية في عين أخرى. بكت أعين الزمن وانسفح الدم على شرفة الجمهورية. ضحك إبليس. النجوم صارت سوداء وأخلدت الحكمة إلى النوم.
السيد خامنئي
وسط هذه الندرة في الحكمة والعدالة، فالكل يتذمّر منك، وأنا أشكرك... ليس لأنه ليس لدي شكاوى. لدي شكاوي، بل شكاوى كثيرة، ولكنني أرفعها إلى الله. إن أذنيك باتت صمّاء بفعل مدائح المدّاحين وعناقهم، ولم يعد هنالك متّسع لأصوات المشتكين. ولكنني بالغ الإمتنان لك. لقد قلت أن "كرامة النظام قد تأذّت" وأن الاحترام الذي كان يُحظى به قد اندثر. صدّقني حينما أقول بأنني، طوال حياتي، لم يسبق أن سمعت مثل هذا الخبر السعيد من أحد. تهانيّ لك لأنك أعلنت بنفسك عن بؤس الديكتاتورية الدينية ووضاعتها.
أنا سعيد لأن صرخات الذين استيقظوا باكراً وصلت أخيراً إلى السماء، وأشعلت نار الانتقام الإلهي. أنت مستعد للتضحية بكرامة الله لصيانة كرامتك. وأنت تقبل بأن يبتعد الناس عن الدين وعن التقوى شرط ألا يبتعدوا عن زعامتك وولايتك. وأن ينهار الدين، والتقاليد، والحقيقة، لكي يظل ثوب ديكتاتوريتك نقياً.
ولكن مشيئة الله لم تسمح بذلك. والقلوب المحطّمة والشفاه المكمّمة والدم المسفوح والأيدي المبتورة والتنانير الممزقة لم ترغب بذلك ولم تسمح به. الأتقياء والحكماء والأنبياء لم يكونوا يريدون ما تريده أنت. والمحرومون والمسحوقون والمضطهدون لم يسمحوا به.
انهيار وتآكل الخوف وشرعية حكم الفقيه كان أعظم إنجاز لانتفاضة الشرف على السلب وقد أيقط أسد الشجاعة والقوة النائم. لقد آذن وقت حصادِ مزرعة الحركة الخضراء. لقد تضرّعنا لله لكي يحدث ذلك، والله معنا.
ليس لانقلاب الموائد من دليلٍ أحلى وأرقّ من تحوّل جميع إحتفالاتك إلى جنازات. إن ما كان يثير ضحكك في الماضي بات الآن يدفعك إلى البكاء والإرتعاش. إن الجامعة التي كُنتَ ترجو أن تضفي عليك المدائح باتت كابوسك. مظاهرات الاحتجاج في الشوارع، والتجمّعات الدينية، ورمضان، ومحرّم، وطقوس الحج والعزاء، باتت جيمعاً رموزاً لطالعك السيء وهي تعمل كلها ضدك.
نحن جيل محظوظ. سوف نحتفل بانهيار الديكتاتورية الدينية. وفي أفقنا الأخضر يلوح مجتمع أخلاقي وحكومة غير دينية.
نقلاً عن موقع "روز" الإيراني