إطلاق نار على مرشح إنتخابات رئاسية، صادق مجلس صيانة الدستور على ترشيحه تعد سابقة خطيرة لم تشهد لها البلاد من قبل. فــــ"كروبي" كان فيما مضى يمثّل أية الله الخوميني في العديد من المؤسسات الحكومية بالجمهورية الاسلامية ولكن أصبح بعد يونيو 2009 من المغضوب عليهم بسبب دفاعه عن حقوق الايرانيين وتقديم لائحة عريضة له أثناء الانتخابات يعترف خلالها بحقوق القوميات الايرانية وحقوق الانسان. وهي أيضاً خطوة لا سابق لها ولم تجربها الجمهورية الاسلامية من قبل؛ فهذه المطالبات بتغيير واقع الجمهورية الاسلامية كان الهدف منها تعايش هذا النظام مع الواقع الدولي وهذا ما لا يرغب به المتطرفون في النظام والذين يديرون دفّة الحكم حالياً.
بعد يونيو حدثت إعتقالات واسعة طالت الصحفيين والسياسيين والاقليات الدينية والإثنية. ولكن التهديد بإعدام المحتجين وإصدار صفة "المحاربين" لمن يخرج سلمياً في الشارع هو أمر غريب تنتهجه السلطات الايرانية وتناقض واضح مع مبدأ التعبير عن الرأي عبر المظاهرة السلمية والوارد في المادة 27 من نفس الدستور الايراني ويثير دهشة المتتبع لمجريات الاحداث والتطورات في هذا البلد التي تسير رحاها بسرعة فائقة.
قبل يونيو 2009 تتشبث السلطات بحرية الرأي وإحترام كرامة الانسان وسعة صدر النظام في قبول الاخر. وهذا ليس كلامي طبعأ، بل خز كلام مسؤولين صدر قبيل إجراء الانتخابات. ولكن بعد الانتخابات نلاحظ تصرفا حكوميا في الشارع على نقيض مع الدعاية التي أطلقها النظام لتجميل وجهه. واليوم نرى أن الخشية من الضغط الدولي والاقليمي وفقدان شرعية النظام قد تبخّرت وراحت قوى الامن مطلقة العنان تقتل المتظاهرين في الشارع بدم بارد وتطلق النار على مرشح رئاسي دون محاسب ورقيب وتنتهك الشرطة حقوق المعتقلين في كهريزك وغيرها دون أن يقدم أحد إستقالته ولو بصورة تمثيل لاقناع الرأي العام على الاقل. الى أين تسير البلاد، لاأعرف ؟!! فاليوم خيوط اللعبة وفصل الخطاب بيد من؟ من يقتل الناس في الشارع؟ من أطلق النار على كروبي؟ من المسؤول عما جرى بعد يونيو /حزيران ؟ ومن يحكم إيران اليوم؟....
بُعيد الاعلان عن نتائج الانتخابات كانوا يقولون أن الولي الفقيه هو "فصل الخطاب" وارتفع صوت رئيس تحرير صحيفة "كيهان" وممثل الولي الفقيه في هذه المؤسسة، "حسين شريعتمداري"، الذي يطلق العنان لقلمه لكي يكتب كيفما يحلو له ، بدون رقيب طبعاً، ليهدد بإعتقال الصحفيين والسياسيين. ويحدث ذلك والكل ظلّ يصدق بأن "شريعتمداري"، المحقق السابق بالمخابرات، يبدو أنه هو الذي يصدر الاوامر بإعتقال هذا وذاك. واليوم يكفّر كل من يخالفه الرأي وصار مثل بوش الذي قال في كلمته الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا"، وسارت إيران وتسير بهذا الاتجاه نحو الانغلاق . ومن ثمار ما بعد يونيو أن تحول شعار الطلبة المعارضين الذين باتوا لا يهابون السجن ولا يخافون الاعتقال إلى "أصبحت جامعاتنا سجون وسجوننا جامعات". واستمر إعتقال الطلبة دون توقف وإمتلأت السجون بالطلاب والحركات الأخرى والجمعيات الحقوقية والصحافية التي تدافع عن حرية الصحافة أمثال "شمس الواعظين" و"عماد الدين باقي" و"أحمد زيد أبادي". وإعتقل أبرز الناشطين الطلبة على راسهم "مجيد توكلي". وكان النظام يظنّ بأن الحركة الخضراء ستواجه خللاً إعلامياً لكن دون جدوى هذه المرة أيضا. واستمرت الاحتجاجات بصورة أكثر مما كانت عليه. وجاء خبر القرصنة التي قامت بها دوائر أمنية ضد هؤلاء ولم يتفاجأ الايرانيون الذين إنتهجوا طريق الحركة الخضراء. وأيضاً تضاعفت الرقابة على الانترنت والتنصت الذي تديره القوى البوليسية في إيران باستخدام "التويتر"وشركات إتصالات مثل "الزيمنس والنوكيا" للرقابة على تحركات المعارضة. لكن هذا أيضاً لم يثن الحركة عن مواصلة نشاطها. وتبين لنا صور دهس المحتجين بسيارات الشرطة وإطلاق عيارات نارية حيّة ضد المتظاهرين والمحتجين على نتيجة الانتخابات بشكل سلمي. واستمر الكم الهائل من تهديد الناشطين والمعترضين وكل هذه الاساليب لم تجن ثمرة خططت لها السلطات.
واليوم يضغطون على رجال الدين "صانعي و دستغيب و..". لإسكات هؤلاء، قاموا بتهديد عوائل القادة الايرانيين وحتى خطف وقتل أقاربهم مثلما حدث لــ"مير حسين موسوي" باغتيال إبن شقيقته لكن دون جدوى. فالايرانيون ماضون بطريقهم نحو تحقيق نصر في نهاية هذا النفق الذي تبدو في نهايته علامات واضحة من الانفراج.
واليوم تركّز الحكومة ضغوطها لقمع الصحافة، حتى تلك التي تنطق بإسم المحافظين. فعلى سبيل المثال، توجيه رسالة إنذارالى صحيفة بمستوى وبحجم صحيفة "جمهوري إسلامي" التي كانت تنطق باسم الجمهورية الاسلامية. كيف يمكن تفسير مثل هذا النمط الذي تنتهجه جماعة متطرفة موالية للحكومة وترفع شعارات العدل لايران وتوزيع الثروات لكافة المحرومين وقطع دابر الاستغلال المالي من قبل جماعات المافيا وتقدّم مشاريع لإدارة العالم بأسره وهي غير قادرة على إدارة نقطة صغيرة بطهران؛ كيف لنا معرفة ما يدور في إيران بعد يونيو وظهورموجة جديدة الى السطح كانت في السابق في صلب النظام واليوم أصبحت تواجه النظام، والانشقاق الواضح بين قيادات النظام كيف يمكن تبريرهذا الشرخ بين قيادات النظام في إيران وكيف يمكننا فهم إيران بعد يونيو وظهور جمهورية إسلامية مابعد يونيو؟ إذا عدنا الى الوراء ونظرنا ماحدث في إيران قبل 79، فسوف نجد إجابات واضحة وشفافة لما يدور في إيران اليوم. ووجه الشبه في إيران ذلك الوقت وإيران اليوم إنها ثورة في قلب ثورة وسوف تستمر. ولن تنتهي هذه الثورة التي بدأت بعد يونيو 2009 بهذه السهولة وربما ستستمر الحركة الاحتجاجية في إيران الى عدة سنوات، وهذا مايخطط له قادتها الخضر وبنفس عالية لنقل المعركة الى بيوت هؤلاء الذين يحكمون اليوم ولكن مهما يكن فهي تسير وفقاً لما يحلم به الايرانيون.
falahiya25@yahoo.com
* طهران
محمد حسن فلاحية معتقل سياسي سابق أطلق سراحه بعد 3 سنوات قضاها في سجن إيفن
بعد يونيو حدثت إعتقالات واسعة طالت الصحفيين والسياسيين والاقليات الدينية والإثنية. ولكن التهديد بإعدام المحتجين وإصدار صفة "المحاربين" لمن يخرج سلمياً في الشارع هو أمر غريب تنتهجه السلطات الايرانية وتناقض واضح مع مبدأ التعبير عن الرأي عبر المظاهرة السلمية والوارد في المادة 27 من نفس الدستور الايراني ويثير دهشة المتتبع لمجريات الاحداث والتطورات في هذا البلد التي تسير رحاها بسرعة فائقة.
قبل يونيو 2009 تتشبث السلطات بحرية الرأي وإحترام كرامة الانسان وسعة صدر النظام في قبول الاخر. وهذا ليس كلامي طبعأ، بل خز كلام مسؤولين صدر قبيل إجراء الانتخابات. ولكن بعد الانتخابات نلاحظ تصرفا حكوميا في الشارع على نقيض مع الدعاية التي أطلقها النظام لتجميل وجهه. واليوم نرى أن الخشية من الضغط الدولي والاقليمي وفقدان شرعية النظام قد تبخّرت وراحت قوى الامن مطلقة العنان تقتل المتظاهرين في الشارع بدم بارد وتطلق النار على مرشح رئاسي دون محاسب ورقيب وتنتهك الشرطة حقوق المعتقلين في كهريزك وغيرها دون أن يقدم أحد إستقالته ولو بصورة تمثيل لاقناع الرأي العام على الاقل. الى أين تسير البلاد، لاأعرف ؟!! فاليوم خيوط اللعبة وفصل الخطاب بيد من؟ من يقتل الناس في الشارع؟ من أطلق النار على كروبي؟ من المسؤول عما جرى بعد يونيو /حزيران ؟ ومن يحكم إيران اليوم؟....
بُعيد الاعلان عن نتائج الانتخابات كانوا يقولون أن الولي الفقيه هو "فصل الخطاب" وارتفع صوت رئيس تحرير صحيفة "كيهان" وممثل الولي الفقيه في هذه المؤسسة، "حسين شريعتمداري"، الذي يطلق العنان لقلمه لكي يكتب كيفما يحلو له ، بدون رقيب طبعاً، ليهدد بإعتقال الصحفيين والسياسيين. ويحدث ذلك والكل ظلّ يصدق بأن "شريعتمداري"، المحقق السابق بالمخابرات، يبدو أنه هو الذي يصدر الاوامر بإعتقال هذا وذاك. واليوم يكفّر كل من يخالفه الرأي وصار مثل بوش الذي قال في كلمته الشهيرة "من ليس معنا فهو ضدنا"، وسارت إيران وتسير بهذا الاتجاه نحو الانغلاق . ومن ثمار ما بعد يونيو أن تحول شعار الطلبة المعارضين الذين باتوا لا يهابون السجن ولا يخافون الاعتقال إلى "أصبحت جامعاتنا سجون وسجوننا جامعات". واستمر إعتقال الطلبة دون توقف وإمتلأت السجون بالطلاب والحركات الأخرى والجمعيات الحقوقية والصحافية التي تدافع عن حرية الصحافة أمثال "شمس الواعظين" و"عماد الدين باقي" و"أحمد زيد أبادي". وإعتقل أبرز الناشطين الطلبة على راسهم "مجيد توكلي". وكان النظام يظنّ بأن الحركة الخضراء ستواجه خللاً إعلامياً لكن دون جدوى هذه المرة أيضا. واستمرت الاحتجاجات بصورة أكثر مما كانت عليه. وجاء خبر القرصنة التي قامت بها دوائر أمنية ضد هؤلاء ولم يتفاجأ الايرانيون الذين إنتهجوا طريق الحركة الخضراء. وأيضاً تضاعفت الرقابة على الانترنت والتنصت الذي تديره القوى البوليسية في إيران باستخدام "التويتر"وشركات إتصالات مثل "الزيمنس والنوكيا" للرقابة على تحركات المعارضة. لكن هذا أيضاً لم يثن الحركة عن مواصلة نشاطها. وتبين لنا صور دهس المحتجين بسيارات الشرطة وإطلاق عيارات نارية حيّة ضد المتظاهرين والمحتجين على نتيجة الانتخابات بشكل سلمي. واستمر الكم الهائل من تهديد الناشطين والمعترضين وكل هذه الاساليب لم تجن ثمرة خططت لها السلطات.
واليوم يضغطون على رجال الدين "صانعي و دستغيب و..". لإسكات هؤلاء، قاموا بتهديد عوائل القادة الايرانيين وحتى خطف وقتل أقاربهم مثلما حدث لــ"مير حسين موسوي" باغتيال إبن شقيقته لكن دون جدوى. فالايرانيون ماضون بطريقهم نحو تحقيق نصر في نهاية هذا النفق الذي تبدو في نهايته علامات واضحة من الانفراج.
واليوم تركّز الحكومة ضغوطها لقمع الصحافة، حتى تلك التي تنطق بإسم المحافظين. فعلى سبيل المثال، توجيه رسالة إنذارالى صحيفة بمستوى وبحجم صحيفة "جمهوري إسلامي" التي كانت تنطق باسم الجمهورية الاسلامية. كيف يمكن تفسير مثل هذا النمط الذي تنتهجه جماعة متطرفة موالية للحكومة وترفع شعارات العدل لايران وتوزيع الثروات لكافة المحرومين وقطع دابر الاستغلال المالي من قبل جماعات المافيا وتقدّم مشاريع لإدارة العالم بأسره وهي غير قادرة على إدارة نقطة صغيرة بطهران؛ كيف لنا معرفة ما يدور في إيران بعد يونيو وظهورموجة جديدة الى السطح كانت في السابق في صلب النظام واليوم أصبحت تواجه النظام، والانشقاق الواضح بين قيادات النظام كيف يمكن تبريرهذا الشرخ بين قيادات النظام في إيران وكيف يمكننا فهم إيران بعد يونيو وظهور جمهورية إسلامية مابعد يونيو؟ إذا عدنا الى الوراء ونظرنا ماحدث في إيران قبل 79، فسوف نجد إجابات واضحة وشفافة لما يدور في إيران اليوم. ووجه الشبه في إيران ذلك الوقت وإيران اليوم إنها ثورة في قلب ثورة وسوف تستمر. ولن تنتهي هذه الثورة التي بدأت بعد يونيو 2009 بهذه السهولة وربما ستستمر الحركة الاحتجاجية في إيران الى عدة سنوات، وهذا مايخطط له قادتها الخضر وبنفس عالية لنقل المعركة الى بيوت هؤلاء الذين يحكمون اليوم ولكن مهما يكن فهي تسير وفقاً لما يحلم به الايرانيون.
falahiya25@yahoo.com
* طهران
محمد حسن فلاحية معتقل سياسي سابق أطلق سراحه بعد 3 سنوات قضاها في سجن إيفن
نقلا عن موقع "شفاف"