الأحد، 27 ديسمبر 2009

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

الرجـل القيمـة أو القيمـة رجـلاً

هاني فحص
... بعد صلاة المغرب، في يوم صيفي حار، انتظرته مع صديقي المناضل الجزائري الكبير العباسي موفداً من الرئيس أحمد بن بله، في حديقة منزله الصغيرة في قم.. كان هناك شخص يصلي في طرف الحديقة بلباس منزلي شديد التواضع والبساطة، وليس عليه شيء يدل عليه. انتهى من صلاته وتقدم نحونا مسلماً... قفز العباسي من مكانه ليسلم وشرع في البكاء مندهشاً بهذه البساطة وهذا الترفع عن الدنيا... وعاد بالذكرى الى أيام النضال الجزائري الأولى.. وحكى لنا تفاصيل مدهشة وتأسفنا.. ومرة زاره عصر يوم رمضاني طبيبه الدكتور قارون الذي كان يعالجه من آثار التعذيب في سجن الشاه، واقترب موعد الإفطار، فاستأذن الطبيب ليخرج، فألح عليه أن يتناول الإفطار معه. وافق قارون وسأل: وما إفطارنا؟ قال الشيخ: زوجتي ليست في المنزل منذ أيام، وأمس حمست بالدهن، بعضاً من بيض الدجاج لإفطاري، كان كثيراً وبقي منه شيء وضعته في الثلاجة، والآن نستخرجه ونسخنه ونفطر.. فصرخ الطبيب: لا.. ولا أريد أن أبحث عمن يعشيني بعد الإفطار معك! وخرج. وقيل لي إن المرحوم السيد محمد حسين بهشتي كان مرة في زيارته وجاء وقت الغداء، فسأله عما يمكن أن يتناوله معه غداء، فقال: لديّ كمية من المخيض نبل بها خبزاً بائتاً.. فاعتذر السيد وخرج ضاحكا باحثا عن عشاء أقل تقشفا!
ومرة كان في زيارته أحد الوزراء الخدماتيين.. ومعه حقيبة ضخمة.. قال له الشيخ: ما هذا؟ قال الوزير: هذه رسائل الشكر لي من الشعب على إنجازاتي.. كان الشيخ قد تناوله بالاسم وعلناً ناقداً تقصيره في شؤون الإسكان.. أجابه الشيخ: ولكن رسائل الاحتجاج الشعبي والشكوى عليك حجمها عندي أكبر بكثير من حقيبتك.. والحل هو ألا تأتيني رسائل الشكوى. بعد هذا اليوم، وألا تبقى أنت بحاجة الى زيارتي.
ومرة.. كنا في زيارته وكان يخطب في وفد كبير من قوات الحرس الثوري القادمة من مدينة سمنان.. قرّعهم بشدة على تصرفاتهم الأمنية غير الدقيقة وتغطيتهم لها بالشرع.. وقال: يمر بكم من يحمل قارورة فيها سائل ملون، أحمر مثلا أو أبيض، وتعتقلونه على أساس أنه يحمل مسكرات، ويتبين العكس، فتتركونه وهو شاعر بالمهانة. أما الشرع فإنه لا يجيز لكم مثل هذا التصرف بأي حال من الأحوال، لماذا تهتكون أسرار الناس؟ يجب أن تكفوا عن تشويه الشريعة بأمزجتكم. ومرة كان يزوره مسؤول كبير جداً.. وجرى الحديث عن الحرب العراقية الإيرانية ـ قبل سنوات من قبول إيران بقرار مجلس الأمن بإيقافها ـ وانفعل الشيخ مؤكداً أن الحرب مستمرة من أجل ترسيخ زعامة بعض الزعماء، وذكر بعضهم بالاسم ومنهم من كان يخاطبه، ونصحه بإصرار أن يبحثوا عن مخرج مشرف قبل أن تتراكم الخسائر وتصبح بحجم الفضيحة، ويظهر صدام حسين وكأنه قد حقق نصراً مجانياً علينا، خاصة أن إيران قد أثبتت قدرتها على الرد ولا داعي للغرور.
ولد في نجف آباد، المدينة المعروفة في محافظة أصفهان، مدينة الزراعة والكدح والعرق والعلم والنضال، قدمت ومنذ الأيام الأولى للحرب أكبر عدد من الشهداء، كما قدمت نسبة كبيرة من شهداء الثورة ومن العلماء والمناضلين والمشاركين في إدارة الثورة والدولة.. والده كان إماماً لمسجدها، وبقي مزارعاً وراعياً للناس علماً وعملاً حتى توفي بعد مئة سنة من عمره زاهداً.. لا يملك شيئاً.
ومرة بلغ أحد رجال الدين العرب أن الشيخ منتظري يفكر بزواج ولده سعيد من كريمة هذا العربي، وكان بيته مجمعاً على حب الشيخ أصولا وفروعاً، ولكن كريمته استشاطت غضباً وقالت: لا أوافق، لأنني لا أستطيع أن أعيش كما يعيشون على بساطة عيشنا، ولكن بساطتهم استثنائية ولذلك فإن زواجي من ولده سوف يكون مشكلة لنا وله.
وأخبر والد الفتاة الشيخ بما قالته فأرسل لها معه تحية ودعاء بالتوفيق.
درس في الحوزة كما يدرس الآخرون. ومن دون أي امتياز أو ادعاء أو استعراض، كان تلميذاً نجيباً للمرجع المميز السيد حسين البروجردي، الذي تميز كذلك بانفتاحه على فقه المذاهب واحترم جهود علمائها وناقشهم في أبحاثه المعمقة مع تلاميذه، وتأثر به لهذه الناحية تلميذه المنتظري الذي صدرت مؤلفاته الفقهية في شبابه المبكر مميزة بلغتها العربية الصافية ودقتها وتأدبها الشديد أثناء نقاشها لآراء الفقهاء السنة في المسائل الخلافية، وكانت مؤلفاته هي تقارير تمثل فهمه الشخصي لفقه أستاذه الذي توفي في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
وفي العادة أن الناضجين من تلامذة المراجع السابقين يلتحقون بالمراجع الجدد الذين يحفظون لهم تميزهم وتقدمهم العلمي على غيرهم، وهكذا اندمج الشيخ منتظري بالإمام الخميني حتى عد تلميذاً مشتركاً له يقترب من الزمالة، ما جعله يقترب في نشاطه وجهاده السياسي العنيد من موقع الرفقة للإمام الذي رآه مرة خلاصة له وصرح بذلك.
شارك بفعالية في بناء الدولة ونقد السلطة فأثار حنق أهل السلطة مبكراً، وتمادى ولده في معارضته للسلطات بعد الثورة، الى حد أن أمره أبوه بالاعتزال فاعتزل، وعندما هدأ أعاده مجاهداً، بواقعية أوصلته الى الشهادة، مات محمد منتظري شهيداً نظيفاً.
ومن موقع الراعي والتاريخي شارك الشيخ حسين منتظري في وضع الدستور، وكان من أهم مؤصلي مسألة ولاية الفقيه، ولكنه عالم أولا وسياسي ثانيا أو ثالثا، ومن هنا استمر ولم يكف عن إعادة النظر في المسألة شأن العلماء، وانتهى في آخر المطاف الى الانحياز للتمييز بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة، وكتب فقهاً متراجعاً عن الولاية المطلقة للفقيه، داعياً الى (نظارة) الفقيه، أي تحويل الفقيه الى رقيب وناظر والى موقعه الإرشادي لا المولوي في إدارة الدولة.
نضاله وأهليته العلمية رشحاه لأن يكون خليفة الإمام. ولكن الإمام الذي كان يمتدحه صراحة كتابة، لم يعيّنه ملتزماً بالمنطق السائد، ولكن التقارير التي وصلت الى الإمام وضعته في سياق آخر، فتم قطع الطريق عليه وعزله في منزله، مع محطات أو جرعات من الحرية النسبية بين فترة وأخرى، لم ينقطع عن البحث والدرس وحده أو مع تلامذة على عدد أصابع اليد الواحدة، وعندما كانت الأمور تنفرج كان مجلسه العلمي يستقبل مئات الطلاب الذاهبين الى الاجتهاد، ولم تتراجع شعبيته، وبرغم كل العوائق وكل العوامل المساعدة للآخرين، بقي المرجع الأكثر انتشاراً في مرجعيته في الوسط الشعبي وبين العلماء وحتى بين رجال الدولة من دون أن تؤثر في ذلك أخطاء أو ردود أفعال جرت حوله من قبل مقربين منه، وتمت المبالغة العظمى فيها للانتقام منه. وتجلت جرأته وشجاعته وانحيازه للإصلاح أكثر ما تجلت في الفترة الأخيرة، حيث لم يعد الإصلاح فكرة، بل أصبح مساراً ومشروعاً تحمله قوى اجتماعية ودينية معنية بإيران ومستقبلها وتجربتها وما يقع على عاتقها من وظائف حضارية وسياسية، نموذجية تقوم على الحرية والديموقراطية والتوازن والاعتدال والإصلاح.
وغادرنا في هذه اللحظة الشديدة الحساسية، من دون أن يكون هاجسنا أن نبحث له عن خليفة في خطه، لان ذلك كان صعبا دائما فهؤلاء الرجال استثنائيون، غير ان الذي يعزينا هو أن تيار الإصلاح في إيران قد تحول الى مؤسسة مركبة ومتكاملة. هناك فريق كبير من الإصلاحيين الذين وجدوا رأيهم وأولوياتهم، ينهضون بالعبء، ويصبرون الى أن تنجز إيران كلها مخرجاً من أزمتها الحالية لتعود الى دورها وحيويتها من دون أوهام أو مبالغات. وتعود التنمية والنهضة لتواصل حركتها في إيران بالشعب الإيراني، كله ومن أجل إيران كله، والتي تنعكس خبراتها على أعماقها من دون مصادرة أو استلحاق.
سنبقى نذكر له، حبه ومجاهدته بحبه للعرب وفلسطين من دون وصاية أو منة على أحد، ومع الإصرار على احترام من يختلفون في ما بينهم من العرب والفلسطينيين، ومتى يختلف هو معهم.
لقد كنت من الذين فرحوا قليلاً عندما تم إقصاؤه لأنه أنقذه، أنقذ العالم الذي يكون دوره السياسي أكثر فاعلية، من خارج العملية السياسية وآلياتها السلطوية، والذي أحزنني هو القسوة التي ظهرت في سلوك بعض الذين استفادوا من قربهم منه ثم تحولوا الى أعداء مستفيدين من بعدهم عنه، لقد آذتنا طريقة التعامل معه. وجعلتنا نكف عن التوكيد بأن الثورة أو الدولة اذا ما كانت محكومة بقيم روحية فهي تختلف عن غيرها. وفوجئنا، ولكن المنتظري بقي مرجعا وأملا كما كان يسمى، ومات مرجعا في لحظة وجع وأمل.
*
من بحر الذكريات
قلت لصاحبي المدقق والمهذب إني ذاهب الى الشيخ منتظري. فقال لي: قل له إنه لا يناسبه أن يتكلم عن رئيس دولة كبيرة ومحترمة بلغة السخرية وإن كان يخالفه. قلت له ذلك. فأرسل معي تحية الى صديقي السيد محمد مرتضى، ولم يعد الشيخ الى استعمال ألفاظ السخرية.
ومرة، في أوائل الثورة، ودعته فقام لي عن أرض غرفته العارية إلا من بساط مستهلك واقتادني الى غرفة أخرى بعيداً عن رفيقي الأستاذ طلال سلمان الذي رشقني بابتسامة ذات معنى.. وقال الشيخ: أريد أن أزورك، قلت له: ليس لديّ منزل في قم، قال: أزوركم في منزلنا هنا، وسألني عما اذا كنت بحاجة الى مال ومد يده الى جيبه، كنت أعرف أنه سيعطيني ولكن ليس كثيرا، ولم أرفض لهذا السبب، بل لأني لم أكن بحاجة، قال لي: لمصروف رفاقك، قلت إنهم ميسورون (بسبب الأستاذ طلال) وقال لي العارفون إني لا أعرف قواعد السلوك مع المراجع.
فقد كان الرفض خطأ، سأعود الى هذا الخطأ دائما اذا كان المرجع مثل الشيخ منتظري لأني لا أخاف من ردة فعله، سوف يغضب عليّ بسبب الرفض ويثق أكثر بسبب هذا الرفض، هكذا تصبح القيمة رجلاً ويصبح الرجل قيمة.
* عندما حصلت فرجة في السياج المضروب حوله، كنت في قم وبعثت إليه من يقول له إني أنوي زيارته. فأرسل لي: لا داعي للعجلة، فهذه الزيارة لن تفيدني وقد تضرك، وبعد سنتين زرته، وجدته نحيفاً أكثر وناشطاً أكثر، وممتنعاً عن تذكر الأوجاع السالفة. سألني عن عائلتي وانتقل بسرعة الى فلسطين، سألني عن ياسر عرفات وصحته، وأبلغني عتبه عليه سياسياً ودعاءه له بالتوفيق.

طابت ذكراك أيها الشيخ الجليل

عادل حبه
الخبر المحزن الذي تناقلته وكالات الأنباء يوم الأحد المصادف 20 كانون الأول حول رحيل الشيخ الجليل آية الله حسين علي منتظري عن عمر ناهز السابعة والثمانين، بقدر ما أثار لدي الأسى والحزن، فإنه قد أرجعني إلى عقد الستينيات من القرن الماضي لأستذكر تلك الأيام المريرة التي قضيتها في سجن "قصر" في عهد الشاه. فقد تعرفت في هذا السجن وعبر سبع سنوات على الكثير من الوجوه البارزة في الحركة الوطنية الإيرانية ومنهم شيخنا الجليل وإبنه محمد منتظري في قاطع رقم 4 من هذا السجن. إن السجن السياسي ربما يكون فريداً ولا يضاهيه أي مكان أحياناً في شفافيته، حيث يمكن للمرء أن لا يتعرف فقط على الخريطة السياسية والاجتماعية لأي بلد بسبب تلون التيارات التي ينتمي السجناء السياسيين إليها، بل إن السجن يكشف أيضا كل مكنونات السجين وخصاله، نقاط قوته وحسناته والصفات السلبية التي لا يتحرر أي كائن إنساني منها.
في ربيع عام 1966 نقلنا نحن السجناء الشيوعيون العراقيون من قاطع رقم 3 في سجن قصر إلى قاطع رقم 4 الأكثر اتساعاً ومساحة. هناك التقينا بنخبة فريدة من السجناء السياسيين الإيرانيين الذين نقل غالبيتهم من سجن برازجان الصحراوي في أقصى الجنوب الإيراني بعد أن أعيدوا إلى سجن العاصمة. وكان منهم الضباط الشيوعيين من أعضاء حزب توده إيران (أعدم خمسة منهم بعد 30 عاماً في السجن من قبل حكام إيران الحاليين) وقادة حزب "نهضة الحرية" بزعامة المهندس مهدي بازركان وآية الله سيد محمود الطالقاني. وكان من بين السجناء أيضاً طيب الذكر آية الله حسين علي منتظري وابنه محمد اللذين يقضيان مدة حكم لمدة سنتين، إضافة إلى اثنين من قادة حزب توده ممن جرى تخفيف الحكم عليهم من الإعدام إلى المؤبد وهما برويز حكمت جو وعلي خاوري. وكان هناك عدد آخر من السجناء من مختلف الإتجاهات. وكانت شخصيتي رجلي الدين المرحوم آية الله سيد محمود الطالقاني والفقيد آية الله حسين علي منتظري، هي أكثر ما جلب الانتباه من بين السجناء، الذين كانا يتمتعان بخصائص تميزهما عن مجموعة غير قليلة من رجال الدين ممن صادفتهم أثناء فترة السجن.
فالفقيد حسين علي منتظري كان شديد الالتزام بموقف متسامح خال من تكفير أو نبذ لمن يحمل أفكاراً أوعقائد أوأديان أخرى. فهو يختلط بالجميع ويتناقش دون أن يفسد للوّد قضية ودون أن يمتنع عن تلبية الدعوة على كأس شاي أو وليمة "سجنية" خلافاً لما كان يقوم بها فريق من المتشددين ممن يجلسون على كراسي الحكم في إيران الآن. فتراه تارة يجالس الشهيد كاكي أوانسيان( أعدم في مجزرة السجون في عام 1988) ليتناقش ويتبادل النوادر ثم يرجع ليقوم بإداء طقوسه الدينية عندما يحين وقتها.
ولم ير منتظري في الدين أو المذهب وسيلة للإكراه أو فرض طقوس وخيار إيماني محدد عملاً بالنص القرآني "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ـ البقرة:256". كما كان ينظر إلى الإيمان الديني كخيار للبشر مسترشداً بسورة الكهف:" وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا". فالبشر حسب هذه الآية مخيّر في إيمانه ولكنه غير مخير في "ظلمه" سواء أكان مؤمناً أم غير مؤمن. فغضب الخالق ينصب على كل الظالمين ومنهم من كان "مسلماً" من أمثال معاوية ويزيد والحجاج وصلاح الدين الأيوبي محرر القدس الذي سفك دماء كل أركان حكام مصر من السلالة الفاطمية، ناهيك عن الجبابرة "المسلمين" في عصرنا من أمثال صدام حسين وعزة الدوري وعلي خامنئي وخلخالي وغيرهم من "المسلمين" الذين يتحملون وزر قتل وإبادة البشر بدون تكليف من رب العالمين.
امتاز الفقيد بسعيه للمعرفة. فهو لم يحدد نفسه بالمصادر الدينية على أهميتها بالنسبة له كرجل دين، بل تبحر في الأدب الفارسي وفي اللغة العربية، وكان يطالع ما يتسرب بشكل سري إلى السجن من كتب متنوعة ويتناقش حولها مع أصحاب الآراء الأخرى دون أن يفسد ذلك احترامه لهم. تراه أحياناً منهمكاً في متابعة دراسته للغة الإنجليزية التي أتقنها في السجن هو وابنه محمد، الذي كنت أدقق له دروس اللغتين الإنجليزية والعربية.
لقد قضى الفقيد منتظري نصف حياته في السجون والنفي والتشرد والإبعاد في عهد الشاه، والحجر المنزلي والأذى في عهد حكام الجمهورية الأسلامية. ولم يُقل ذلك من إرادته بل زادته المحن قوة وجعلت منه حساسا للغاية ضد الظلم ومناصراً لحق الإنسان في الحياة وفي حرية المعتقد ومنتقداً بليغاً وصريحاً للانتهاكات في زمن "الجمهورية الإسلامية" ولكل اعوجاج في سياستها. وجراء ذلك أتُهم بأنه اتخذ "مواقف غير مبدئية" تجاه الحرب العراقية الإيرانية!!!.. وهذا ما حدا بالتيار المتشدد للتآمر عليه وإبعاده عن منصب خليفة الخميني أو قائمقامه في حالة رحيله، وإزاحته عن الميدان السياسي ومنعه من اللقاء بأحد وعومل بأقسى وأحط الأساليب. فقد وجّه منتظري انتقاداً صريحاً لسياسة حكام إيران التي تراهن على استمرار الحرب مع العراق، وانتقد الشعار الذي رفعه المتشددون وحتى بعض من العراقيين الذين التفوا حول المتشددين ورفعوا شعار:" حرب حرب حتى النصر" و"الطريق إلى فلسطين عبر كربلاء"، وما يعني ذلك من استمرار هذه الحرب العبثية الدموية التي أشعلها صدام واستمر بها حكام التطرف الديني في إيران. وفي هذا الإطار انتقد حكم الإعدام الجائر الذي صدر بحق صهره مهدي هاشمي، وتنفيذ هذا الحكم بسبب فضحه لصفقة ما سمي آنذاك بـ"إيران غيت" بعد الزيارة السرية لماكفرلين موفد الرئيس الأمريكي ريغان في عام 1987 من أجل إطلاق سراح الدبلوماسيين الأمريكان الستة الذين اختطفوا من قبل حزب الله في لبنان مقابل إمداد إسرائيل للأسلحة إلى إيران، بما يعني ذلك استمرار هذه الحرب الجهنمية التي جلبت الدمار والقتل الجماعي لكلى الشعبين.
ونظراً لمشاعره الإنسانية ولتجاربه الشخصية مع اضطهاد بني البشر، فقد كان الوحيد من بين رجال الدين في إيران وخارجها من وجّه أشد أشكال الإدانة للمجازر الجماعية التي أرتكبت في صيف عام 1988، والتي رافقت قبول المرحوم الخميني بوقف الحرب العراقية الإيرانية بعد فشل شعار "حرب حرب حتى النصر". وطالت هذه المجازر ما يزيد على 5 آلاف من السجناء السياسيين في مختلف سجون إيران، وتم إعدامهم في ليلة واحدة وبدون محاكمات وبدون أدنى مبرر سوى مطالبة هذه الحركات السياسية بوقف الحرب التي أحرقت الأخضر واليابس. واعتبر منتظري أن سكوت المراجع الدينية على هذه الانتهاكات" بمثابة ذريعة بيد الحكم للمزيد من هذه الانتهاكات". ولذا فليس من قبيل الصدفة أن تشير داعية حقوق الإنسان السيدة شيرين عبادي الحاصلة على جائزة نوبل إلى ذلك في رثائها للفقيد منتظري حيث قالت:" ألقبك بالأب لأنك علمتنا كيف ندافع عن السجناء السياسيين وتخليت جراء ذلك عن كل المناصب الحكومية وحتى زعامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ألقبك بالأب لأنك علمتنا كيف ندافع عن المظلوم دون أن تحرض على العنف ضد الظالم. تعلمت منك إن سكوت المظلوم يشجع الظالم، فلا ينبغي التزام الصمت. أبي لقد تعلمت الكثير منك رغم إنني لم أف بمقامك كابنة وتلميذة لك".
نعم إن الفقيد لم يكن من ذلك الطراز الذي يتاجر بإيمانه أو دينه من أجل الجاه، ولا يتظاهر يذلك من أجل المنصب أو جمع الأموال . فهو لم يلطخ جبينه بالسواد كي يدلل على مبالغته بتدينه وليصبح ذلك جوازاً للحصول على المكاسب والجاه كما يفعل عدد غير قليل من طلاب المناصب الآن. ولم يتوسل الفقيد منتظري بفتاوى تتعارض مع القيم الإنسانية، فهو الذي أفتى بجواز المصافحة بين النساء والرجال، واعتبر إن رفض هذه المصافحة لا يدل إلا على عدم الاحترام وقلة الذوق ولا علاقة لهذا الرفض بالمعايير الدينية. وكان الوحيد من بين رجال الدين من دافع عن الحريات الدينية و أدان القمع والتصفيات ضد أتباع المذهب البهائي في إيران معتبراً أن البهائيين مواطنون إيرانيون يجب أن يتمتعوا بنفس حقوق سائر المواطنين الإيرانيين. وأفتى بعدم شرعية انتزاع الاعترافات من المتهمين بالقوة وأدان مثل هذه الأساليب التي تمارس في أقبية سجون ومعتقلات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقال:"إن مثل هذه الاعترافات ليس لها أي أساس شرعي وقانوني ويجب توجيه الاتهام لمرتكبي هذه الأفعال وتقديمهم إلى محاكم عادلة وعلنية لكي يشعر المواطنون بعدم انتهاك حرياتهم ويشعروا بالأمل في المستقبل وأن لا يجري التوسل بالقمع وسد أبواب الجامعات لمنع الشعب من الاحتجاج". وفي الذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة الأمريكية في طهران من قبل الطلبة، اعتبر هذا الأجراء غير صحيح ولا يمت بصلة إلى طابع العلاقات المتحضرة بين الدول مهما كانت اختلافاتها.
وأعتبر منتظري إن ممارسات ولاية الفقية، والمرشد علي خامنئي على وجه الخصوص، ما هي إلاّ ضرب من الاستبداد الذي أطلق عليها أسم "ولاية العسكر"، وهي تشكل خطراً على الدين وعلى المراجع الدينية. وأكد وهو الذي أشرف على كتابة الدستور على أنه ليس من حق الولي الفقيه الولاية المطلقة ومصادرة رأي الناخب الإيراني بحيث يتحول الفقيه إلى الحاكم المطلق، فالنبي لم تكن لديه الولاية المطلقة. وأكد خاصة في السنوات الأخيرة على ضرورة "إدارة شؤون البلاد على أساس رأي الشعب". وإن مهمة ولي الفقيه هي الشؤون الفقهية والمراقبة على سير تطبيق الدستور وليس التحول هو ورجال الدين الآخرين من أنصاره إلى قادة لقوى الأمن أو إلى ضباط تحقيق ومخابرات أوإلى وزراء للداخلية. وطالب بعدم تدخل الولي الفقيه في شؤون الحكم واحترام الفصل بين السلطات والمسؤولية المشتركة أمام القانون دون أن يكون لولي الفقيه موقع فوق القوانين.
وتبلورت مواقف آية الله منتظري ضد الاستبداد والدفاع عن حقوق المواطن الإيراني في الأشهر الأخيرة من عمره بعد التزوير الفاضح في انتخابات رئاسة الجمهورية وتبلور "حركة الخضر" المناهضة للاستبداد الديني و "للدكتاتور"، بحيث أصبح الفقيد الزعيم الروحي لهذه الحركة الإصلاحية. وأعلن منتظري بصراحة "أن من يتوسل بالعنف والتزوير يفقد أية مشروعية في تولي المناصب والمسؤولية في الدولة الإيرانية". وعبر الفقيد بعد إعلان نتائج الانتخابات أن " العدالة والأمانة قد انهارت"، وحذر المسؤولين من نسيان استبداد الشاه وتجربته الفاشلة.
لقد مرت سنوات على اللقاء بهذه الشخصية الدينية الإنسانية، وكان آخرها دعوته لي والعائلة في بيته في مدينة قم بعد انتصار الثورة الإيرانية في ربيع عام 1979 وبعد تحرره من سجن الشاه. كان أكثر تواضعاً وبساطة وأشد حماساً لبناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان ومختلف الآراء والأديان، وعبر عن امتنانه لاستضافتي لابنه الشهيد محمد الذي قدم إلى العراق وأقام في بيتنا بعد هروبه من ملاحقة نظام الشاه عام 1972، ثم التحاقة بمكتب الراحل الخميني في مدينة النجف ثم عودته من جديد سراً إلى إيران. وقد ذهب محمد ضحية التفجير الذي عصف بمقر الحزب الجمهوري في طهران في يوم إطلاق سراحي من سجن إيفين في طهران في يوم 28 حزيران عام 1981.‏
طابت ذكراك أبها الشيخ الجليل، ولتهب في سماء إيران نسائم التسامح والمحبة وسمو القيم الإنسانية والإنسان باعتباره صاحب الحق و الكلمة الأخيرة في إدارة شؤونه.

adelmhaba@yahoo.co.uk
كاتب عراقي

الإسلام مقابل "الجمهورية الإسلامية" - مقال لمهدي خلجي

تبرز الآن فرصة جديدة للـ "الحركة الخضراء" في إيران لكي تظهر معارضتها للجمهورية الإسلامية ولنتائج الانتخابات الرئاسية المتلاعب بها في وقت سابق من هذا العام. فحسب «التقويم الإسلامي القمري»، وافق يوم الجمعة 18 كانون الأول/ديسمبر أول أيام شهر محرم الذي يعقبه شهر صفر. وبالنسبة للنظام في طهران، أصبحت السيطرة على الشوارع بصورة تدريجية أكثر صعوبة منذ أن بدأت الحركة الخضراء تحوّل جميع الإحتفالات السياسية الرسمية المجازة إلى فرص لشن احتجاجات ضد الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فإن الشهرين الحالي والمقبل، يمثلان المرة الأولى التي تحين فيها فرصة دينية.
الحداد معناه التمرد
حسب التقليد الشيعي، قاد الإمام الثالث حسين بن علي تمرداً نبيلاً ضد الحكم الظالم للخليفة المسلمي يزيد بن معاوية، ولكن التمرد كان فاشلاً في النهاية. ويمثل يوم العاشر من محرم، أو عاشوراء، نهاية ذلك التمرد الدموي في تشرين الأول/أكتوبر عام 680 م [سنة 61 هجرية] ، عندما واجه الإمام حسين جيش يزيد في كربلاء. وبمجرد هزيمة قوات الإمام حسين، قتل الإمام بطريقة وحشية مع بعض من تلاميذه السبعين، جنباً إلى جنب مع جميع الأعضاء الذكور من أفراد أسرته. ومنذ ذلك الحين، احتل الإمام حسين مكانة خاصة بالنسبة للشيعة. وحصل على لقب "سيد الشهداء"، وعلى مر التاريخ الإسلامي تأثر ملف صورته بأساطير ما قبل الإسلام، وكذلك بالكتاب المقدس المسيحي. إن إحياء ذكرى روحية الإمام حسين وتضحيته، فضلاً عن معاناة أسرته وتلاميذه، تمثل بمثابة نقطة محورية للحفاظ على الهوية الشيعية. وينظر الشيعة إلى أحداث عاشوراء باعتبارها لحظة حاسمة عندما انشقوا عن الطائفة السنية التي مثلت التيار الرئيسي والخلافة. واستطراداً لذلك، قام الشيعة منذ فترة طويلة بربط العزاء على الإمام حسين، وتضحيته الإلهية، مع مبادئ الحق والعدل بدلاً من القيادة الظالمة والقاسية.
محور الشبكات الاجتماعية الشيعية
لقد أصبحت مراسيم إحياء ذكرى عاشوراء بمثابة «الأسمنت» الأسطوري الذي يربط المجتمع في إيران، سواء قبل وبعد القرن السادس عشر — عندما أصبح المذهب الشيعي مذهب الدولة الرسمي. ولا تحيى الذاكرة في المساجد فحسب، بل أيضاً في مئات الآلاف من المباني المعروفة بالحسينيات أو التكايا التي تم تشييدها لغرض وحيد وهو إحياء ذكرى عاشوراء. وبالإضافة إلى هذه المواقع، التي يتم تمويلها من قبل الأوقاف والجهات المانحة الغنية، قام العديد من أسر الطبقة المتوسطة والعليا بتجهيز بيوتهم لتصبح أماكن لإحياء ذكرى مأساة كربلاء. ومن خلال هذا الإجراء، قام أعضاء هذه الأسر بمباركة ديارهم وأسرهم باسم الإمام حسين. إن كل من الحسينيات والمنازل الشخصية التي تستخدم لإحياء ذكرى [عاشوراء] قامت ببناء شبكة اجتماعية واسعة النطاق في إيران، وبقيت كبيرة حتى عندما أصبحت البلاد أكثر تمدناً. وقد قامت هذه الشبكة، في ظل ظروف معينة، بتأدية وظائف اجتماعية وسياسية غير دينية في ظل غياب مجتمعات المجتمع المدني، ووجود قيود فرضتها الحكومة في المجال العام. ويتم احياء ذكرى استشهاد الإمام حسين عن طريق طقوس الـ "روضة خاني"، التي تتكون من ألحان حزينة تسرد مآسي واقعة كربلاء، وعادة ما يؤديها مرتلين مهنيين ومنشدين دينيين، أو مداحين. وفي خلال هذين الشهرين محرم وصفر، يشكل الشيعة الـ "هيآت" أو الجمعيات الدينية، التي تنظم المواكب في الشوارع والتي تبدأ بقيام تجمعات في المساجد، أو الحسينيات، أو التكايا، أو المنازل الشخصية. ثم يخرج المصلون إلى الشوارع، حيث ينشدون أغاني دينية إيقاعية ويضربون صدورهم. ويقود صفوف الجلادين الذين يضربون أنفسهم بالسياط في هذه المواكب، شخص واحد أو أكثر من الأفراد الذين يتحملون عبء الوزن الساحق للصليب المزخرف من الصلب يسمى " عَلَمْ ". وتصاحب مراسيم الرثاء الحاشد في الشوارع موسيقى خاصة بذكرى عاشوراء، بما فيها العزف على الأبواق، والنقر على الطبلات، وغيرها من الآلات الموسيقية. ولا تقتصر أقوال المنشدين الدينيين والمرتلين المهنيين ورجال الدين على سرد مأساة واقعة كربلاء، بل يتطرقون أيضاً إلى القضايا الإجتماعية والسياسية المعاصرة. وفي السنوات التي سبقت الثورة الإسلامية، وفرت الأشهر محرم وصفر أفضل فرصة لرجال الدين المناهضين للحكومة لكي يقوموا بتحريك وحشد الناس ضد الشاه، وعادة عن طريق مقارنته مع يزيد بن معاوية، المثال للحاكم الظالم. ومن ناحية أخرى، شبهت المعارضة نفسها بالشهيد المقتول الإمام حسين الذي يجسد الحقيقة والعدالة.
فشل سياسة الإحتكار
منذ بداية الجمهورية الإسلامية، وضعت الحكومة نفسها باعتبارها السلطة الرسمية والحصرية في الشؤون الدينية. ولم يقتصر الأمر على قيام النظام باحتكار إدارة المنظمات والجمعيات الدينية-الاقتصادية التي تقوم بإدارة الأوقاف جنباً إلى جنب مع المؤسسة الدينية، ولكنه حاول أيضاً توطيد إدارة الطقوس الشيعية التي عادة ما تقع خارج نطاق الولاية القضائية للدولة. ومن خلال قيام الحكومة بإنشاء هيئات مثل "مكتب الدعاية الإسلامية (دفتر تبليغات إسلامي)"، و "منظمة الدعوة الإسلامية (سازمان تبليغات إسلامي)"، و "مركز إقامة صلاة الجمعة (دبيرخانه ائمه جمعه و جماعات)"، و "مركز شؤون المساجد (مرکز رسیدگی به امور مساجد)"، وعشرات غيرها من المؤسسات المماثلة، فقد تمكنت من تطهير رجال الدين الذين لا يُعتبرون مؤيدين للحكومة بما فيه الكافية ولإسكات وعوظهم وفعالياتهم خلال الطقوس الدينية مثل تلك التي تقام في عاشوراء. ومع ذلك، ونظراً للمراعاة الواسعة النطاق لطقوس محرم وصفر، فضلاً عن وصولها إلى كل ركن من أركان البلاد، لم تستطع الحكومة السيطرة بصورة فعالة على جميع الممارسات المرتبطة بإحياء هذه الذكرى. وفي السنوات الأخيرة، شكى النظام من المحاولات التي يقوم بها جيل الشباب لتحويل الإحتفاء بالذكرى الدينية إلى حدث أكثر تجديداً وعصرية. ولأسباب اجتماعية وثقافية كثيرة، تمكن الشباب الإيراني من تحويل الأحداث إلى فرصة لتجربة الموسيقى الجديدة، والإختلاط مع بعضهم البعض دون خوف من تدخل الشرطة، في الوقت الذي لا يستطيع هذا الشباب التمتع بالحفلات والمهرجانات في الشوارع كما يتمكن أقرانهم في أكثر المجتمعات الغربية المنحى، أو حتى الإلتقاء مع أعضاء من الجنس الآخر في الأماكن العامة.
وفي السنوات الأخيرة وخلال قيام المهرجانات، شهدت العديد من أحياء الطبقة الوسطى والعليا في المدن الكبرى فنانين شباب يغنون أغنيات عاطفية ورومانسية مع أناشيد متناقضة – وغير متحفظة ومفتوحة تجاه تحديد طبيعة هويتها من جانب أي من الجنسين وقابلة للتطبيق على الحب المقدس والدنيوي. كما أن ألحان وأسلوب الموسيقى هي أيضاً مستوحاة من أنماط غربية، بما في ذلك موسيقى "البوب والروك أند رول". ومن جانبهن، ترتدين الشابات، الفساتين والثياب المكشوفة، التي عادة ما تكون سوداء، وتذهب البعض منهن إلى حد وضع الماكياج الأسود، كمحاكاة للثقافة الفرعية القوطية الغربية. وقد انتقد آية الله علي خامنئي ورجال دين رسميين آخرين هذا "التحول" في طقوس عاشوراء بإعتباره "غير ملائم"، ولكن بالرغم من ذلك، فشلت الحكومة في منع الشبان من إعادة صياغة المراسم الدينية لأغراض خاصة بهم.
محاربة العدو بأسلحته الخاصة
أصبحت "الموجة الخضراء" - باعتبارها حركة لامركزية - في وضع يؤهلها تحدي الحكومة باستخدامها الطقوس الدينية التي تقام خلال شهري محرم وصفر. ومن وجهة نظر الحكومة، فإن قيامها بتصعيد المواجهة ضد المشهد الإجتماعي المفعم بالحيوية من شأنه أن يثبت بأنه مرهق إلى حد الإعياء. إن المساجد والمنازل في جميع المدن والقرى تقريباً التي يعيش فيها الشيعة، تشكل مراكز محتملة لقيام حركة مدنية وديمقراطية معارضة للحكومة. وبعد كل شيء، فقد استخدم الإيرانيون هذا الأسلوب نفسه خلال السنوات التي سبقت الثورة في عهد الشاه. وقد لعبت مشاركة الملايين في هذه الطقوس — بمن فيهم العديد من الذين لم يمارسوا عادة دينهم — دوراً رئيسياً في إسقاط نظام الشاه قبل ثلاثة عقود. واليوم، بإمكان رجال الدين ذوي الرتب المنخفضة أيضاً والذين يؤيدون الحركة الخضراء أن يلعبوا دوراً هاماً عن طريق سماحهم للشعب بتسييس المراسيم وتحويلها إلى تجمعات للمعارضة. وفي بيان صدر مؤخراً، قال رجل الدين المعارض آية الله حسين علي منتظري [الذي توفي في مدينة قم يوم السبت التاسع عشر من كانون الأول/ديسمبر الحالي عن 87 عاماً] أن "الجمهورية الإسلامية ليست إسلامية أو جمهورية، بل هي حكومة عسكرية".
إن قيام الحركة الخضراء باستخدام الأشهر محرم وصفر [لأهدافها السياسية] يمكن أن يكون له تأثير هائل على المؤهلات الدينية والشرعية للنظام. وإذا كانت الحكومة تتجنب العنف انطلاقاً من احترام القيم الدينية للأشهر محرم وصفر، فإن ذلك قد يعني قيام تحديات علنية لأسس إيديولوجية الجمهورية الإسلامية خلال هذين الشهرين. ولكن إذا ما اتخذت الحكومة إجراءات مشددة ضد المظاهر الدينية، فإن الاستياء ضد الجمهورية الإسلامية يمكن أن يزداد بدرجة كبيرة.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في
معهد واشنطن، يركز على السياسة الإيرانية وسياسة الجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.

الأحد، 11 أكتوبر 2009

ولايات الفقيه الإيرانية «إمبراطورية لا تعرف حدوداً» .. مقال لزهير هاشم


لم يكن يدري آية الله وروحه، الإمام الخميني، عندما أطلّ من باب الطائرة التي أقّلته في رحلة عودته المظفّرة والتاريخية من باريس إلى طهران، أنه سيكون خاتم صنّاع ثورات القرن العشرين، وأن عشر سنوات قادمة سوف تُؤذن بسقوط مدوٍ لمفاهيم تلك الثورات التي بدأت في مطلع ذلك القرن في روسيا وانهارت كعمارات كرتونية في نهاية ثمانينياته ومطلع تسعينياته في أوروبا الشرقية، وشكّل سقوط جدار برلين رمزاً لانهيارها وسقوطها. حيّا الخميني، محاطاً بأخوة الثورة ورفاق الدرب، ملايين الإيرانيين الذين احتشدوا لاستقباله في ذلك النهار الإيراني الطويل الذي شغل العالم ولا يزال.
فالثورات تتشابه، وإن اختلفت فكراً، عقيدةً أو ديناً، لكنها تبقى واحدة، عملاً، أسلوباً وأهدافاً. فالثورة بعد انتصارها ما تلبث أن تأكل أبناءها وتحوّلهم حطاماً وهياكل، والظلم بعدها إلى أقسى، والحرمان إلى أشد، وزعيم الثورة من داعية إلى جلاد وديكتاتور، والدولة إلى دولة الثورة وسلطة الثورة. ويرافق ذلك حكماً، انفراط عقد الثوار فتضيق مروحتهم الواسعة التي غالباً ما تضم تيارات واتجاهات سياسية وفكرية واسعة ومختلفة إلى حلقة ضيّقة يختصرها زعيم الثورة بنفسه، وتتبخر معها أحلام الثائرين وآمالهم. فهذا النوع من الثورات لا يقيم عقداً إجتماعياً ينظّم علاقة المواطن بالدولة بل قيداً شاملاً يلفّ الحياة كلّها ويحوّلها إلى سجنِ كبير.
فالثورة استبدلت الشاه الذي كان يتربّع على عرشٍ أرضي بشاهٍ إستمدّ من السماء غطاءً شرعياً مقدّساً، دعّم به سلطانه على الأرض. فأصبح الخميني رئيساً للدولة مدى الحياة، ومرشداً روحياً أعلى لها. فاستُبدل "السافاك" بالحرس الثوري ومعه «الباسيج» و«الباسداران»، والحاشية بنظام الملالي، والبذخ والإسراف والمجون بقوانين إسلامية صارمة، قيّدت الحياة العامة وكبّلتها. ونالت المرأة منها حصة الأسد، حوّلت معها إيران إلى «عورة» كبيرة غطّتها الثورة بحجاب كبير. وحدها الأحلام الإمبراطورية لم تتغيّر، فإيران القوية وشرطي الخليج زمن الشاه، أصبحت عسكري المنطقة ومصدر رعبها زمن أحمدي نجاد. فشعار تصدير الثورة الذي تموت بدونه الثورات ولا تستمر وكان همّ الخميني الأول، نجح في أكثر من مكان. ونهج ولاية الفقيه الذي كرّسته الثورة في صلب عملها السياسي والديني، أزهر ولايات في لبنان والعراق وفلسطين واليمن والكويت والبحرين وسوريا وقطر والسودان، وأصبح له وكلاء شرعيون وأذرع طويلة اخترقت النسيج الإجتماعي والسياسي والرسمي العربي.
نتيجة الغياب والعجز العربيين اللذين تجليّا فساداً وتخلفاً واستبداداً وقمعاً للحريات، ومصادرة للحياة السياسية، ونتيجة غياب المشروع العربي بحده الأدنى وعلى كافة المستويات، والتخلف عن قضايا التنمية بمختلف مجالاتها الإقتصادية والإجتماعية، أطلّت الثورة - الدولة، وبدأت بالسطو على قضايا العرب وفي مقدمها القضية الفلسطينية. وأصبحت بفضل هذا السطو لاعباً أساسياً في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي على مستوى المنطقة والعالم، وأصبح معها أمن إيران القومي عند تخوم بلدات "عيتا الشعب" اللبنانية و"بيت حانون" الفلسطينية و"الأنبار" العراقية و"صعدة" اليمنية، وليس في الخليج الذي تعترض إيران دائماً على تسميته عربياً وتصرّ على أنه فارسيٌ بامتياز.
إنّ القشرة الخفيفة التي تغطي بها إيران، أحلام الدولة بشعارات الثورة أصبحت شفافة إلى حدٍ بعيد. والخط الرفيع الفاصل بينهما لم يعد موجوداً. فتشكيلة الصواريخ الواسعة التي يملكها حزب الله، وتشكيلة «القسّام» التي تملكها حماس، هي الحارس الأمين للمفاعل النووي الإيراني والمدافع الأول عنه. فمعادلة «السلاح دفاعاً عن السلاح» التي أرساها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عشية غزوة بيروت في السابع من أيار الشهير هي جزء من معادلة تشمل كل سلاح ولايات الفقيه الإيرانية. وإلى جانب تخصيب اليورانيوم، تخصّب إيران يورانيوم من نوع آخر، هدفه تحويل كل الأقليات الشيعية في أرجاء العالم العربي إلى ما يشبه المستوطنات والمربعات الأمنية المتنقلة والتي ظهرت نماذجها واضحة في لبنان وغزة وصعدة وغيرها، بغية حماية أحلام الدولة بالتوسع والسيطرة. إنّ علامات استفهام وأسئلة كثيرة تُطرح بقوة حول معنى التبني الإيراني - الثوري للقضية الفلسطينية والعداء المطلق لإسرائيل، رغم البعد الزمني والموضوعي والجغرافي عنها. وعلامات إستفهام أخرى حول شعار «الإستكبار العالمي». فالتصريحات النجادية حول محرقة «أوشفيتز» وانتفاء وقوعها، وأخرى لمرشد الثورة الأعلى بضرورة زوال إسرائيل من الوجود لأنها غدة سرطانية، تدعو إلى الشك بصدقية مطلقيها. فالأصداء الإيجابية التي تجنيها إسرائيل من خلال التضامن العالمي الواسع معها جرّاء هذا النوع من التصريحات، هي أكبر دليل على المفعول العكسي لهذه التصريحات، وعلى تقاطعات غير منظورة بين مصدر التصريح والمستهدف منه، وتدفع القضية الفلسطينية وحدها ثمنه الباهظ.
الجهد الإستثنائي الذي تسعى إيران من خلاله إلى شطب منظمة التحرير من معادلة القضية الفلسطينية له أبعاد خطيرة وكارثية على الشعب الفلسطيني الذي دفع دماءً غزيرة وناضل عشرات السنين من أجل تكريس هذا الحق وهو الإعتراف بالمنظمة كممثل شرعي وحيد بما تضم من تيارات واتجاهات تمثل كل شرائح الشعب الفلسطيني ويعكس الرغبة الإيرانية بالإمساك الأحادي بهذه الورقة بغية التوظيف المفرط له في غير مكان وزمان.
لقد فتح الغزوان الأميركيان لأفغانستان والعراق شهية إيران لاندفاعة قوية في المنطقة بعدما مهّد الغزوان المذكوران الأرض لها، وأزالا من أمامها جداري طالبان وصدام. فانطلقت سريعاً في بلاد ما بين النهرين المفتوحة أمامها أرضاً وتيارات سياسية لها ارتباطاتها القوية معها كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري وحزب الدعوة، ولعبت بالتعاون مع حليفها السوري على معادلتي الدولة والمقاومة العراقيتين، ففيما تولّت هي أمر الأولى تولّت حليفتها أمر الثانية مترجمةً بذلك على الأرض نظرية الفوضى الخلاّقة التي رفعت شعارها الإدارة الأميركية وطبّقتها إيران في المنطقة.
ثمة تساؤلات عن حجم الأسهم التي تمتلكها إيران في «شركة القاعدة» للمقاولات والتعهدات الإرهابية. فحلول سعد أسامة بن لادن على رأس «مجموعة قندهار» ضيفاً على الأراضي الإيرانية منذ الغزو الأميركي لأفغانستان إلى اليوم يطرح أسئلة عن علاقة إيران بالشركة المذكورة وطبيعتها.
مشهد الإنقسام العربي الذي تجسّده فضائيتا «الجزيرة» و«العربية» يشكّل صورة رمزيّة للإنقسام السياسي الكبير الذي يلفّ العالم العربي والذي لم يكن وضعه يوماً بأفضل حال، ويعكس حجم "الدفرسوار" الإيراني داخل بلدانه وحجم حق الفيتو الذي صار يملكه داخل العمل الرسمي العربي ومؤسساته المترهلة وعلى رأسها الجامعة العربية. وشكّلت صور القمم العربية المتشرذمة إبان العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة بين قطر التي حضرها أحمدي نجاد، والرياض، إحدى تجلياتها.
إنّ فائض القوة الذي يطفح به الإناء الإيراني ويتسرب إلى كل مناطق العالم العربي مهدداً أمنه واستقراره فارضاً نفسه لاعباً قوياً في منطقة تعني الكثير للعالم بما تحتويه من منابع للنفط، ناهيك عن وجود إسرائيل، يدحض نظرية مساعدة إيران للشعوب المستضعفة ويؤكد أنها، كسائر الدول، ليست جمعية خيرية وأن مصالحها وأحلامها بالتوسع والسيطرة فوق كل اعتبار.
إنّ دوراً مهماً وعقلانياً لإيران كدولة كبرى لها حيثيتها في المنطقة أمر مشروع. لكن، ليس على حساب تفتيت العالم العربي وشرذمته وجعل أقلياته وخصوصاً الشيعية منها قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة، مغلِّبة انتماءها الديني والمذهبي على الوطني والقومي، مع التأكيد على حقوق هذه الأقليات بالمساواة والمواطنية وغيرها من الحقوق المشروعة المهدورة في أوطانها. فالدور الإيراني المتسلّح بنهج ولي الفقيه والمتنامي بتمدد ولايات الفقيه الإيرانية المتحدة، يحمل مخاطر كبيرة في منطقة يشكّل العرب السنّة السواد الأعظم منها، ويطرح هواجس وقلقاً حول الدور والأهداف التي تنوي إيران الإضطلاع بها، وحول سياسة حافة الهاوية التي تمارسها إيران والخوف من أن تنحدر المنطقة برمتها إليها.
مقلا عن موقع "الشفاف"

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

ايران المتعثرة بين التراث والحداثة - مقال لمحمد فلاحيه

أمام المد القومي (المقصود بالمد القومي ليس الشوفيني منه بل المد الذي يفضل الوطنية عن حكم المذهب) الايراني اللثام عن ازمة متخفية منذ امد طويل يصل عمرها الی عمر الجمهورية الاسلامية الايرانية التي جاءت على انقاض الحكم الملكي والذي كان يمثل التيار القومي ليس برمته لكن بأحد أوجهه. فمن خصوصيات هذا المد القومي الايراني، واقصد بمعظم تياراته، معاداة الاسلام والعرب والدعوة الى تغيير جذري في الثقافة الايرانية والعودة الى الماضي التليد. والآن، وبعد مرور 3 عقود على استيلاء المد الديني في ايران- وطبعا هذا المد فيه عدة تيارات، من بينها اليسار الديني واليمين الديني والوسط الديني- ظهرت الى السطح بعد مجيء الثورة الاسلامية نظرة قومية ذات طابع شوفيني تستعدي العرب وتركز على القضايا الوطنية دون غيرها وتهدف لابعاد ايران عن قضايا الاسلام والمنطقة العربية .
والتيار الديني الذي طالما عارض فكرة عزل ايران عن محيطه الاسلامي انقسم علی نفسه، فمثلا، كان اليمين الديني في بداية الثمانينات يدعو الى التعامل الوثيق مع العرب لمجابهة اسرائيل (آية الله طالقاني كان يرأس هذا التيار ويدعمه اليسار الديني في ايران أنذاك وعلى رأسهم "مجاهدي خلق")، بينما تحالف اليوم اليسار واليمين الديني في معاداة العرب. فدعوة ناطق نوري لضم البحرين لإيران توجّه اكثر راديكالية من قبل اليمين تجاه العرب. ولیت شعري، هل هذا العداء المستشری بین ایران والعرب یعود لضعف العرب فی التعامل مع ایران ام یعود الی قوة العمل الاستشراقي في تضخيم الهوة بين ايران والعرب (حيث يرى كاتب المقال، ولعل الكثيرين يتفق معه، ان حالة العداء بين ايران والعرب ظهرت في مطلع القرن الماضي وفي خضم العمل الاستشراقي لفرض الهيمنة على المنطقة كما هو الحال بزرع العداء بين العرب انفسهم ابان الحكم العثماني الذي كان يحاول تمزيق الصف العربي ببث الفرقة بين مسيحيين ويهود ومسلمين عرب). ولنعد لصلب الموضوع وهو ايران وتياراتها الدينية والسياسية المتعثرة بين الحداثة والتراث. مواقف اليسار الديني حيال العرب وقضاياهم في ايران اصبحت مكشوفة لكل متابع لملف ايران. فهؤلاء اصحاب نبرة لبرالية يتخوفون من العرب بسبب الرابط الديني وهو الاسلام. اما اليوم فإن ايران، التي يحكمها محافظون ترعرعوا في رحم التيار المحافظ التقليدي، تعتنق نفس النظرة المتشائمة حيال العرب. وباعتقادي ان التخوف او التشكيك حيال العرب في ايران بين جميع القوى الوطنية والقومية والليبيرالية يعود الى الحذر والترقب من دعم الدول العربية لقضايا العرب في ايران الذين يقطنون الجنوب ، ومعظم هؤلاء هم من الطائفة السنية. والخوف من المد الانفصالي في "الأهواز" (جنوب ايران) يزيد الطين بلة. وكوني صحفي انتمى لتلك المنطقة، وسجنت لـ3 سنوات بسبب تلك القضية، فإنني اريد طمأنة الايرانييين بان عرب ايران لا يريدون الانفصال وانما يريدون الحصول على ابسط حقوقهم القومية والانسانية، لا غير. في المقابل هنالك تيار متشعب من الملكيين يسمى "تيار رابطة الملكيين في ايران" ("انجمن بادشاهي ايران") يسخط بشكل غريب على العرب والاسلام، وكانت لي مجادلات مع هؤلاء، وكنا نزلاء السجن لكنهم غير متقبلين لحقوق القوميات في ايران بتاتا ويعرف عنهم بانهم متهورون .
اذا خرجنا من دائرة القوميين الايرانيين بكل أطيافها الديني او الوطني و سواء القومي الشوفيني او القومي الإثني، فسنجد ان ايران فيها وعي جماهيري متأصل وخاصة فيما يتعلق بالشرائح المدنية فرغم الكبت والاضطهاد الذي تتعرض له من قبل السلطات فانها تنشط بشكل مؤثر في الشارع الايراني. ومن اهم هذه الحركات المدنية الحركاتُ النسوية والعمالية والحركة الطلابية. وهذا، اذا صحت تسمية الاخيرة بالحركة لان في "الحركة" كما يرى علماء الاجتماع مواصفات منها سياسية او طبقية اواجتماعية. فالحركة الطلابية لا تحدد مطالباتها ودائما تسير في فلك تيار الإصلاح وتتبع لتيارات اليسار، الديني منه او الاشتراكي. وهذا رغم اعتزازي بكل الحركات الطلابية، فانها قدمت الكثير من السجناء والمعتقلين وتضحياتها لا تحصى ولا تعد خدمة لمطالبات الشعب. اما بالنسبة للحركة النسوية فببكونها حركة تدور حول محور المطالبات الفئوية التي تطالب بمزيد من الحرية للمرأة الايرانية فان هذه الحركة الفمنية تعرضت بعد مجئ احمدي نجاد لضغط متزايد من قبل اجهزة الامن والمحاكم الثورية وقدمت تضحيات جسام في سبيل نيل مطالبها المدنية ومازالت تواصل طريق التجديد وتوعية شريحة النساء بامكاناتها المتواضعة ورغم اتفاقها مع الحركة العمالية، الا ان الحركة العمالية- بزعيمها "منصور اسانلو" الذي كان نزيلا معي في "قاطع 350" بسجن "افين"- الحركة العمالية تدور في فلك الاشتراكية الا ان الحركة النسوية الايرانية حركة لبرالية تحررية واما اليسار الطلابي واقصد باليسار "الفكري" لا "الديني"، فهو يتفق مع العمال. ومطالبات هاتين الجبهتين موحدة، الا ان الحركة النسوية في ايران تتفق مع اليمين الفكري الليبرالي الطلابي والذي ينشط في جامعتي "طبطبائي" و"بلي تكنيك" (امير كبير). وقادة هاتين الحركتين ايضا التقيت معهم في السجن، وكانوا متفهمين لقضايا القوميات مثلهم مثل اليسار الطلابي.
واما في ما يتعلق با لقوميات الايرانية فانها تتفق مع اليسار الفكري واليمين اللبرالي لان كلتا الحركتين ترفع شعارات التسوية بالحقوق والمساواة. وحتى ان البعض من التيارات الفكرية الايرانية ترفع شعارات يراها البعض اكثر راديكالية، وهي شعار الفيدرالية لايران .كما طالب المنظر الاصلاحي أنذاك سعيد حجاريان الذي قبع في السجن لمدة 109 يوماً بعد الانتخابات واطلق سراحه يوم امس، وغيره من المفكرين والسياسين الايرانيين في الداخل، فقد ازاحوا عن وجوههم العداء للقوميات الايرانية. وهذا الامر طبعا يعد من ابرزالتحولات الحداثوية في ايران ان صح التعبير، بعد اخذهم للفدرالية بعين الاعتبار. وهذا الامر يروق كثيرا للناشطين في المجال القومي الاثني في ايران
وهنالك تيار اكثر قبولا لقضايا العصر في ايران. ويركز هذا التيار اهتمامه حول محور حقوق الانسان ويضم شخصيات سياسية معروفة في ايران، من بينهم "ع
ماد الدين باقي"، و"شيرين عبادي" الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وقادة حركات نسوية وصحفيين وقادة احزاب وحركات مثل المهندس "طبرزدي" وقادة احزاب وناشطون من "الجبهة القومية الايرانية" التي اسسها قادة ومناصرون للدكتور مصدق، الزعيم التاريخي لتلك الحركة. يتفق كل هؤلاء حول المحور الحقوقي وبيان حقوق الانسان، وتدور مطالبهم حول تعديل الدستور الايراني ليصب في اتجاه مراعاة حقوق الانسان وحرية التعبير والنشر والمعتقد وحرية المذهب.
اضافة لكل هؤلاء ظهر بعد الانتخابات الايرانية وما اعقبها من مآسي، تيار ديني يتزعمه المرجع الروحي آية الله "منتظري" وآية الله "صانعي" وآية الله "دستغيب". يتفق هؤلاء على مشروع احترام حقوق المعارضة واعادة الانتخابات واعطاء مزيد من الحريات للشعب الايراني. فخروج التيار التقليدي الايراني من صمته والوقوف بوجه الاستبداد وكبت الحريات ظاهرة فريدة من نوعها لم تشهد لها البلاد لا في السابق القريب ولا البعيد، وهذا الامر يبشر بكل خير. فالتحالف بين التيارات التقليدية والتيارات الحداثوية في ايران سيتجه بهذا البلد نحو بر الامان، وسيبعث على الامل بان تؤسس جمعيات المجتمع المدني اطارا لا يستطيع ان يعبث به شخص مهما كانت سلطته او سطوته. وتجربة ايران في إعلان اول دستور متحضر قبل 100عام، قبل غيرها في المنطقة، سوف تمنح الخبرة لعقلاء هذا البلد بان يؤسسوا دستورا ونظاما لايستطيع شخص التفرد بتحطيمه سواء كان هذا الشخص ملكاً ام "ولي الفقيه وكل ذلك يتحدد في الوقت الراهن بالمؤج بين الحداثة والتراث للتوصل الى صيغة ترضي كل الاطراف وكل التيارات سوف نبحث في المقال القادم بالتفصيل ما يجري الان في ايران من تطورا ت واحداث تستحق العناية والتركيز مهما بحثت من قبل المحللين فهي تستحق ان تدرس بعناية دراسة مركزة ومن قبل اشخاص يتعايشون معها يوميا
أما التقليديين الذين لم اخصص لهم مساحة كبيرة في المقال، فهم دعاة الفكر المتطرف الذي لا يساوم، والذي يرى كل تجدد وحداثة على انها خطر قادم من الغرب. وهم يرفضون فكرة اعطاء الشعب حريته، ويرون ان انتخاب الشعب ليس مشروعا وان الشرعية لله يمنحها لولي الفقيه او رئيس البلد. ويتزعم هذه الفكرة الزعيم الروحي اية الله مصبا ح يزدي، ملهم الرئيس الايراني الحالي احمدي نجاد، وبعض من انصاره الدينيين في "قم". اما بقية المراجع الدينيين فيتقبلون العصرنة واثرها على الحكم والحياة.
الفكر الشوفيني الايراني (أمثال "بان ايرانيسم وانجمن بادشاهي ايران") يشبه الى حد بعيد التيار الديني المتزمت والمنقلق على نفسه. فالاثنان لا يؤمنان بحق الشعب في تقرير مصيره ويرفضان الحداثة والعصرية. فهذا الصراع بين الحداثة والتراث مستمر لا فائز فيه. الفائز الوحيد من يتكيف مع العصر، والخاسر الوحيد هو من يسير بعكس التيار.

نقلا عن موقع "الشفاف"

الخميس، 1 أكتوبر 2009

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

طبطبائي ينتقد حكومة نجاد لاهتمامها بالطاقة النووية


وجّه حجّة الإسلام سيد مهدي طباطبائي شيرازي، الذي يعرفه الإيرانيون بسبب عظاته الأخلاقية على التلفزيون الرسمي الإيراني، انتقادات عنيفة للرئيس محمود أحمدي نجاد ومساعديه، وذلك في نقاش تمّ بثّه مباشرة على القناة الثانية في التلفزيون الإيراني.
أخطر ما جاء في كلام حجة طباطبائي هو التشكيك علنا ومن خلال التلفزيون الحكومي بـ"أولوية" مسألة الطاقة النووية، وهذا غير مسبوق في إيران.
وردّا على تركيز النظام على الطاقة النووية، قال طباطبائي: "لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟" وأكمل قائلاً إن حق الناس في الزواج والحصول على منزل وعلى عمل يعتبر أولوية أهم.
خطورة هذا الكلام من رجل دين محسوب على النظام هو أنه يعكس ما تفيد المعلومات الواردة من طهران من أن الشعب الإيراني بات يعتبر مشروع الطاقة النووية مشروع أحمدي نجاد ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وليس مشروعاً وطنياً إيرانياً ينبغي الدفاع عنه. وهذا التطوّر يسقط حجّة الغرب الذي كان يتخوّف من أن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية سيدفع الإيرانيين للإلتفاف حول النظام.
كذلك، يلفت حديث طباطبائي النظر إلى تخوّفه الشديد، مثله مثل معظم المراجع الدينية في قم، من أن سياسات النظام تُبعد الناس عن المذهب الشيعي. وحول هذه النقطة التي أصبحت شبه كابوس لكبار رجال الدين (بعد أن أصبحت المساجد خاوية في ساعات الصلاة)، قال: "أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
أخيراً، وفي تلميح شفاف إلى أحمدي نجاد، يقول طباطبائي: "من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين".
وفي مطلع الحلقة، قال طباطبائي لمقدّم البرنامج مرتضى حيدري: "أريد أن أوضح بأنني لا أسمح لك باستخدام ما سأقوله في هذه الحلقة من أجل ما تفكّر به أنت".
وردّاً على سؤال حول كيفية انتشار "الشائعات" في المجتمع، قال طباطبائي: "حينما تكرّر العزف على نفس الموضوع، فإنك تخلق شكوكاً لدى المستمعين. لقد هنّأت الرئيس أول مرة لإعادة إنتخابه، وذلك يكفي. فلماذا تلحّ وتكرّر أن الملايين شاركوا في الانتخابات واقترعوا لشخص معيّن قبل أن تعود لتهنئته مجدّداً؟، كم مرّة ستعبّر عن تقديرك لمشاركة الناس الكبيرة. هنالك مَثَل يقول: لقد أخبرتني مرّة، فصدّقتك. وأخبرتني مرة ثانية، فبدأت الشكوك تساورني. وفي المرة الثالثة، بتّ متأكّداً أنك تكذب. من الأفضل لرجل بات الآن رئيسا للبلاد أن يسأل الذين أيّدوا خصومه ماذا يريدون لكي يستطيع، كرئيس، أن يعبّر عن وجهات نظرهم أيضا". وأضاف: "الأنبياء كانوا متواضعين، وأظهروا اللين حينما تعرّضوا للهزء والسخرية. نحن لسنا أنبياء، ويجدر بنا أن نعتذر للشعب، على التلفزيون، عن الأخطاء التي ارتكبناها".
وعاد مقدّم الحلقة، الذي بدت عليه الصدمة من كلام طباطبائي ليسأل عن أسباب انتشار "الشائعات" في المجتمع. وأجاب طباطبائي قائلا: "المجتمع يشبه جسم الإنسان. حينما يعمل بصورة جيدة فإنه يكون متوازناً. ولكن حينما نعبّر عن نزعات متطرّفة فإن النتائج تكون مثل ما نراه اليوم. أنت طبيب، ولذا فأنت تعرف أنه لا ينبغي لك أن ترشّ الملح على الجُرح، بل عليك أن تضمّده. لا نستطيع أن نَخفض رؤوسنا وأن نظن أن الناس لا يرون حقيقة ما نفعل. كلا، الناس يفهمون الأمور جيّداً. لا ينبغي أن نقول أن كل ما يقوله الشعب هو أكاذيب. أريد أن أقول للناس أن هنالك طرقاً أسهل وأقل تعقيداً لكي يُسمِعوا أصواتهم. ولكن الشخص الذي يكذب يبدّل رواياته باستمرار ويشعر بالذعر. ليشهد الله على أنني استخدمت هذه الفرصة لأقول كل ما ينبغي قوله".
وأضاف "الشخص الضعيف وغير القادر على ممارسة مسؤولياته يتّهم الآخرين دائماً. من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين. لا تظنّ أنني مستعد أن أفعل أي شيء من أجل الجمهورية الإسلامية ومن أجل الحفاظ على المؤسسة. كلا. كثيرون يسألونني لماذا لا أتقلّد منصباً رفيعاً مع أنني من قدامى رجالات الثورة. وأنا أجيبهم دائماً: لأنني لا أعرف كيف أزحف للحصول على منصب".
وهنا طلب مقدّم الحلقة من طباطبائي أن يقول للناس من هو الشخص الذي كان "القائد" (خامنئي) يفكّر به حينما أعلن أنه "لا ينبغي نشر الشائعات عبر توجيه الاتهامات".
فرد طباطبائي بأن "القائد" كان يخاطب الأمة كلها، بما فيها الأشخاص العاجزين والغاضبين. وأضاف: "لا ينبغي لك أن تكثر التفكير في هذه النقطة وأن تصمّم على تحديد شخص معيّن كان القائد يقصد تحذيره هو بالذات. حينما يعود طفل من المدرسة إلى البيت وينادي أمّي ولا يردّ عليه أحد، فإنه يكرّر النداء. وفي المرة الثانية، فإنه يرفع صوته ويظهر عليه ردّ فعل. وفي المرة الثالثة، فإنه قد يشرع حتى برمي الصحون.. لماذا لم تسمعوا نداء الطفل من المرة الأولى حتى أصبحتم مضطرّين الآن للقيام بما تقومون به؟ ما أريد أن أقوله هو أنه ينبغي معالجة الوضع وليس دفعه نحو مزيد من السوء. وللحؤول دون زيادة التوتّرات، ينبغي لنا أن نسعى لإعادة الهدوء المفقود".
وأضاف: "الطاقة النووية مسألة مهمّة وهي حقّ لنا لا يجوز التنازل عنه. ولكن أليست القدرة على الزواج وبناء منزل والحصول على وظيفة، هي حقوق لا يمكن التنازل عنها أيضاً؟ أليست لهذه المسائل أولوية على الطاقة النووية؟ لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟ حينما عاد الإمام الخميني إلى البلاد، فإنه لم يقُل: جلبت لك الطعام والماء، لأن الناس كانوا في بحبوحة آنذاك. بالأحرى، فقد قال: لقد جلبت لكم الروحانية. في ذلك الحين، كانت الروحانية في خطر، ولذلك كانت الأولوية للإيمان في ذلك الحين".
وهنا سأل مقدّم الحلقة عن كيفية انتشار الشائعات والاتهامات في صفوف النخبة، فأجاب:
"لا ينبغي أن نعتبر أن أي تقرير وأي اتهام بمثابة إطلاق مزاعم. بالأحرى، علينا أن نأخذ التقرير ونحقّق حوله، لأننا إذا لم نفعل ذلك فستتوقّف التقارير. إن ديننا نفسه ينصحنا بتحمّل المسؤولية. للحؤول دون انتشار الشائعات علينا أن نتوقّف عن ترديد أشياء غير مهمّة تخفي خلفها أشياء مهمّة. إن أفعالنا لا ينبغي أن تكون من النوع الذي يُبعِدُ الناس عن الإيمان. إنهم يسألون: لماذا ظلّت النخبة صامتة؟ أنا لا أعتبر نفسي من النخبة، ولكن ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ أن نخرق الصمت لكي تشهّروا بسِمعتنا؟ ولكي تدمّروا مصداقيّتنا؟ إذا كنتم تريدون أن تعيدوا الإيمان للناس، فعليكم أن تفعلوا مثلما حصل في مطلع الثورة: استخدموا السياسيين للسياسة. أما شؤون الدنيا، فاتركوها لـمراجع التقليد. الدين ينبغي أن يُترَك لرجال الدين، وليس للعامّة. أنا لا أعرف شيئاً عن الهندسة، ولذا فإنني لا أتدخّل في الشؤون الهندسية. والشيء نفسه ينطبق على شخص لا يعرف شيئاً عن الدين. فعليه أن يمتنع عن إبداء آرائه في الشؤون الدينية".
وأضاف "ينبغي للسيد (إسفنديار رحيم) مشائي أن يكتفي بالتعبير عن آرائه في حدود ما يفهم به وألا يتعدّاها إلى سواها. مؤخراً، كتب هذا السيد (أحمدي نجاد) في رسالة أن حكومته هي أكثر حكومات القرن الماضي ورعاً وإيماناً. ماذا يعني ذلك؟ حاشا الله! هل يعتبر نفسه أكثر ورعاً من الإمام الخميني؟ لقد عشت حياتي ولم يبقَ لي الكثير. ولكنني أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت - لا سمح الله - قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
نقلا عن موقع "شفاف"

الاثنين، 21 سبتمبر 2009

سلام أصدقائي الخونة - مقال لحسن فحص

سعيد حجاريان، محسن ميردامادي، بهزاد نبوي، احمد زيد آبادي، مصطفى تاجزاده، محسن امين زاده، عبدالله رمضان زاده، محسن صفائي فرهاني، محمد قوتشاني، محمد عطريانفر، محمد علي ابطحي، محمد رضا جلائي بور، فيض الله عرب سرخي،.... اسماء لا تتداعى فقط في الذاكرة، بل تستدعيها بقوة تلك الصور التي تنشرها الوكالات الايرانية للمتهمين بالثورة المخملية الذين تجري محاكمتهم هذه الايام في العاصمة الايرانية طهران.
من الذاكرة، عندما كانت الثورة الاسلامية الايرانية في اوج عنفوانها، وفي المرحلة التي كانت تواجه كما كبيرا من الرفض الدولي ومحاولات الاطاحة بها، كنا وكان الجميع في العالم الثالث المسكون بحلم الثورة والتغيير الثوري والمقاومة ومحاربة الامبريالية، يقبل من دون تردد او نقاش كل الاعمال التي تحدث في الداخل الايراني من اجل الحفاظ على الثورة وقيمها واهدافها، وكان الجميع يقبل من دون نقاش كل التهم التي توجه لاي معتقل والاحكام التي تصدر بحقه من قبل المحكمة الثورية الايرانية الاسلامية.
وقد وصلت الامور الى حد ادانة آية الله الشيخ حسين علي منتظري، نائب قائد الثورة وخليفته المفترض في قيادة الثورة بسبب اعتراضاته على بعض المحاكمات والاحكام الصادرة على بعض المعتقلين في سجون الثورة والتي انتهت باعدامهم جميعا، وقد تقبل معظم الذين يقفون الى جانب ايران في العالم، خصوصا في العالم العربي الموقف السلبي من منتظري والذي انتهى بعزله ولاحقا فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله ومنع اقرب المقربين له من رؤيته.
واذا كان التنظير الثوري ومنطقه على مدى التاريخ يحاول ترسيخ مفهوم "الثورة تأكل ابناءها"، الا اننا ما نشهده في ايران هو محاولة لأسلمة هذا المفهوم الذي كرسته التجربة الماركسية الستالينية في الاتحاد السوفياتي وكذلك التجربة الكوبية في التعامل مع تشه غيفارا، من خلال الحديث عن مفهوم جديد هو "تساقط الثوريين الاوائل وصعود ثوريين جدد".
وينطوي هذا المسار الجديد على اشكاليات كثيرة والتباسات اكثر تعقيدا، حيث ان الثوريين الاوائل، ومن منطلق الحفاظ على تراث الثورة ومبادئها واصولها، يحاولون اليوم في ايران العودة الى الشعارات الاولى التي رفعت قبل الانتصار في العام 1979 وما فيها من ابعاد ديمقراطية وانسانية وحريات وتأكيد على دور الشعب في تحديد مسارات الثورة والدولة. وما تحاول ان تؤسس له هذه الشعارات من الخروج من منطق الثورة الى منطق الدولة الديمقراطية بكل مؤسساتها الدستورية والمدنية. في حين ان الثوريين الجدد، يحاولون التخلص من الارث الديمقراطي الذي تأسس مع قائد الثورة الراحل الامام الخميني والكتلة الاولى التي حملت المشروع معه، والاتجاه به نحو تحويل كل مظاهر العملية الديمقراطية الى مظاهر شكلية لخدمة هدف واحد يصب في اطار تعزيز الحكومة الدينية.
وعلى الرغم من كل الاعترافات التي ادلى ويدلي بها المتهمون في قضية التدبير للثورة المخملية ضد نظام الجمهورية الاسلامية والاقرار بالتهم التي توجه لهم في قاعات المحكمة هذه الايام، الا ان الهدف الاساس الذي يحاكمون من اجله يمكن في مكان اخر مختلف عما يدور الحديث عنه.
فسعيد حجاريان يعرف الكثير من التفاصيل عن قادة المرحلة الحالية من عمر الثورة وايران والنظام، فهو الذي قاد الحرب النفسية وعبأ الداخل الايراني خلال الحرب العراقية الايرانية، وهو الذي وضع الاسس الاولى لجهاز المخابرات الذي كان تابعا حينها لرئاسة مجلس الوزراء "نخست وزيري" وهو الذي اوصى بعدم تعيين (سعيد امامي) خلفا له بعد خروجه من وزارة الامن وبدء التنظير للمشروع الاصلاحي. وسعيد امامي هو الذي قاد عمليات الاغتيال للمثقفين والسياسيين بداية عهد محمد خاتمي في رئاسة الجمهورية والتي انتهت باعتقاله وانتحاره المدبر في سجن ايفين الشهير لطمس معالم الجهات التي كانت تقف وراءه.
لهذا السبب يحاكم سعيد حجاريان، اضافة لكونه كان من اول المنضمين للخلية التي قامت باحتلال السفارة الامريكية بعد ان اعلن الامام الخميني دعمه لعمل الطلاب وايد توجهاتهم السياسية. الى جانب انه تحول لاحقا وفي المرحلة الاصلاحية الى المنظر لهذه الحركة ومؤثرا في توجهاتها ما حدا بقوة التيار المتشدد الى تدبير اغتياله على درج مقر بلدية طهران عندما كان يشغل منصب نائب رئيس البلدية بداية عام 2000.
اما محسن ميردامادي، فانه يحاكم على مساهمته في قطع العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والقيام باحتلال السفارة الامريكية، وليس غريبا ان تسكت كل الاصوات المدافعة عن الديمقراطية والحريات وكل جمعيات المجتمع المدني في الولايات المتحدة الامريكية امام هذه المحاكمة، لان ميردامادي يعتبر رمزا ارهابيا لا بد من مجازاته على فعلته، وهذه المحاكمة قد تعتبر محاكمة غير مباشرة لمرحلة وجود الامام الخميني على رأس الثورة وقيادتها وتبنيه للتحرك الذي قام به هؤلاء الطلاب واطلق عليه اسم "الثورة الثانية".
ويحاكم ميردامادي لانه اعاد النظر في بعض التصرفات التي حدثت في المرحلة الثورية الاولى واسلوب التعاطي مع المسائل الداخلية والخارجية، فرفض التضييق والحضر المفروض على حركة تحرير ايران، فذهب الى التحالف معها بعد توليه منصب الامين العام لحزب المشاركة، وقدم مراجعة موضوعية لما قام به من احتلال للسفارة الامريكية في طهران مع رفاقه السبعة الذي شاركوه في العملية والذين قدموا المراجعة ذاتها وانضموا الى التيار الاصلاحي وحزب المشاركة الى جانبه.
ويحاكم ميردامادي لانه قدم قراءة ديمقراطية لمفاهيم الثورة الاسلامية انطلاقا من الاسس التي وضعها الامام الخميني. وسعى لاعادة ترسيخها بعد ان شاهد محاولات جر الثورة والجمهورية الاسلامية بعيدا عن هذه المفاهيم.
ومن بين الوجوه التي تطل من داخل قاعة المحكمة تعلو فمها ابتسامة تحمل الكثير من المعاني والابعاد، وجه يحمل كل تجاعيد الثورة على محياه، انه بهزاد نبوي، القيادي في منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية، هذه المنظمة التي كان عناصرها ينشطون قبل الثورة في مقارعة النظام الملكي تحت اسم " منصورون " والذين تولوا المهمة الاولى في الدفاع عن الثورة بعد انتصارها امام مؤامرات ضربها، وشكلوا النواة الاولى لما بات يعرف لاحقا باسم "حرس الثورة الاسلامية" والتي تولت قيادة عمليات المواجهة في الحرب العراقية الايرانية وقدمت خيرة شبابها وقادتها.
ويحاكم بهزاد نبوي لانه آمن بموقف الخميني بعدم السماح "للعسكر والحرس بالتدخل في الشؤون السياسية" وحتى يكون مع زملائه مثل مصطفى تاجزاده وفيض الله عرب سرخي الذين يحاكمون الى جانبه، بعيدين عن هذه الشبهة قرروا الاستقالة او الخروج من حرس الثورة وتشكيل "منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية" التي كانت تعتبر الاكثر تشددا في ثوريتها ومواقفها، لتكون الشكل الذي ينظم عملهم السياسي والبقاء اوفياء لمن احبهم واحترمهم قائدهم الخميني.
ويحاكم محمد جلائي بور لان جده قدم ثلاثة من ابنائه شهداء في الدفاع عن الثورة، ولانه كان الطالب المميز والمتفوق في دراسته الجامعية ورفض الانضمام الى التعبئة الطلابية الجامعية " البسيج " وفضل ان يكمل دراسته العملية في بريطانيا على نفقة والده الذي يعتبر ابنا لاحد كبار تجار بازار طهران، واحد نشطاء التيار الاصلاحي وحزب المشاركة.
ويحاكم محمد قوتشاني، لانه شاب عصامي تحول الى محط انظار الحصافة في ايران والداخل، ولانه استطاع ان يكون محور النشاط الصحفي الاصلاحي وهو في سن الشباب.
يحاكم قوتشاني لانه تخرج من "نازي اباد" احد الاحياء الفقيرة في طهران، حيث كان يشاهد شبابا ثوريين يحملون هم الثورة والدولة على عاتقهم مثل سعيد حجاريان واكبر كنجي وعماد الدين باقي وكتب عنهم وعن تجربتهم ورافق كل التحولات الثورية والسياسية التي عايشوها ومروا فيها.
القائمة تطول، لكن الخوف من ان يقول هؤلاء كل ما يعلمونه وما يعرفونه، وان يسمع الناس ما يقولونه، فقد تحولت المحكمة الى محكمة غير علنية، لان القائمين عليها يدركون بان كل ما يقوله هؤلاء وما سيعترفون به لن يصدقه الناس، وان الاعترافات لا تمت للحقيقة بصلة، حتى وان وصلت الاعترافات حد ادانة انفسهم، وهذا ليس غريبا على الجمهور الايراني الذي عايش وعرف مثل هذه الاعترافات والمحاكمات في عمر الثورة وبات يدرك انه اخطأ في تصديق المحاكمات التي جرت في الماضي. وليس عجيبا ان تزداد شعبية الاشخاص الذين قدموا اعترافات امام المحكمة مثل محمد علي ابطحي ومحمد عطريانفر بدل ان تتراجع على الرغم من كل التهم التي توجه لهم.
في المقابل، وعلى الرغم من جميع محاولات تلميع صورهم، فان الجهات التي تقف وراء الاحداث الاخيرة والمحاكمات لم تستطع كسب ثقة الشارع الشعبي المؤيد لها باستثناء الجماعات المستفيدة , وتعرض موقع الحرس الثوري الذي كان ينظر له بين كل اوساط وتنوعات الشعب الايراني بنظرة احترام كونه يشكل ذراع ايران القوية والخط الاول للدفاع عن بلدهم.
وقد انتجت الاحداث الاخيرة ازمة لم تكن في حسابات الجهات التي وقفت وراء عملية اعادة محمود احمدي نجاد الى السلطة، وفضحت مشروعها الرامي الى الغاء الجمهورية الاسلامية بما تمثله من بعد ديمقراطي ومؤسساتي لصالح عملية تحويل ايران الى دولة خلافة اسلامية - ثيوقراطية تقوم على البعد الالهي والغيبي في اختيار قادتها، وتنزيل المشاركة الشعبية في هذا الاختيار الى الحد الادني والشكلي بحيث يكون دورها فقط الاستفتاء على هذا التعيين، واذا ما كان رأيها مطابقا لما يراه المختار يقبل به، اما اذا كان اختيارها غير مطابق فان المختار له حق التدخل وتصويب المسار باعادة اختيار الانسب حتى ولو كان على حساب رأي الشعب وانتخابه.
hassanfahs@hotmail.com

الأحد، 13 سبتمبر 2009

سروش: سوف نحتفل بانهيار الديكتاتورية الدينية

وجّه المفكّر الإيراني المرموق الدكتور عبد الكريم سروش، خطاباً مفتوحاً إلى مرشد الثورة في إيران آية الله علي خامنئي. ودعا سرّوش في خطابه إلى الاحتفال بـ"سقوط الطرق العنيفة" في الحكم، مضيفاً أن إعلان خامنئي بأن ما حدث بعد الانتخابات الرئاسية قد "أساء إلى كرامة النظام" هو أسعد نبأ سمعه في حياته.
في ما يلي مقتطفات من خطاب سروش لخامنئي، وقد نقل موقع "شفاف" عن الترجمة الإنجليزية، وقال بأن ذلك قد لا يفي سروش حقّه في هذا النص الرائع:

عرس الدم انتهى ودخلت العروس المزيّفة إلى مخدع الزوجية. صناديق الاقتراع ارتجفت ذعراً ورقصت الشياطين في الظلمة. انتظر الضحايا في أكفان دفنٍ بيضاء وصفّق السجناء بأذرع مقطوعة. رافق العالم العروسَ بحنق في عين وبكراهية في عين أخرى. بكت أعين الزمن وانسفح الدم على شرفة الجمهورية. ضحك إبليس. النجوم صارت سوداء وأخلدت الحكمة إلى النوم.
السيد خامنئي
وسط هذه الندرة في الحكمة والعدالة، فالكل يتذمّر منك، وأنا أشكرك... ليس لأنه ليس لدي شكاوى. لدي شكاوي، بل شكاوى كثيرة، ولكنني أرفعها إلى الله. إن أذنيك باتت صمّاء بفعل مدائح المدّاحين وعناقهم، ولم يعد هنالك متّسع لأصوات المشتكين. ولكنني بالغ الإمتنان لك. لقد قلت أن "كرامة النظام قد تأذّت" وأن الاحترام الذي كان يُحظى به قد اندثر. صدّقني حينما أقول بأنني، طوال حياتي، لم يسبق أن سمعت مثل هذا الخبر السعيد من أحد. تهانيّ لك لأنك أعلنت بنفسك عن بؤس الديكتاتورية الدينية ووضاعتها.
أنا سعيد لأن صرخات الذين استيقظوا باكراً وصلت أخيراً إلى السماء، وأشعلت نار الانتقام الإلهي. أنت مستعد للتضحية بكرامة الله لصيانة كرامتك. وأنت تقبل بأن يبتعد الناس عن الدين وعن التقوى شرط ألا يبتعدوا عن زعامتك وولايتك. وأن ينهار الدين، والتقاليد، والحقيقة، لكي يظل ثوب ديكتاتوريتك نقياً.
ولكن مشيئة الله لم تسمح بذلك. والقلوب المحطّمة والشفاه المكمّمة والدم المسفوح والأيدي المبتورة والتنانير الممزقة لم ترغب بذلك ولم تسمح به. الأتقياء والحكماء والأنبياء لم يكونوا يريدون ما تريده أنت. والمحرومون والمسحوقون والمضطهدون لم يسمحوا به.
انهيار وتآكل الخوف وشرعية حكم الفقيه كان أعظم إنجاز لانتفاضة الشرف على السلب وقد أيقط أسد الشجاعة والقوة النائم. لقد آذن وقت حصادِ مزرعة الحركة الخضراء. لقد تضرّعنا لله لكي يحدث ذلك، والله معنا.
ليس لانقلاب الموائد من دليلٍ أحلى وأرقّ من تحوّل جميع إحتفالاتك إلى جنازات. إن ما كان يثير ضحكك في الماضي بات الآن يدفعك إلى البكاء والإرتعاش. إن الجامعة التي كُنتَ ترجو أن تضفي عليك المدائح باتت كابوسك. مظاهرات الاحتجاج في الشوارع، والتجمّعات الدينية، ورمضان، ومحرّم، وطقوس الحج والعزاء، باتت جيمعاً رموزاً لطالعك السيء وهي تعمل كلها ضدك.
نحن جيل محظوظ. سوف نحتفل بانهيار الديكتاتورية الدينية. وفي أفقنا الأخضر يلوح مجتمع أخلاقي وحكومة غير دينية.
نقلاً عن موقع "روز" الإيراني

السبت، 29 أغسطس 2009

اغتصاب المعتقلين بواسطة العصي وقناني الصودا


اعترف المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي أثناء اجتماعه مع طلاب الجامعات يوم الأربعاء الماضي بوقوع "انتهاكات وجرائم إبان أحداث ما بعد انتخابات 12 يونيو، وخصوصاً في معتقل كهريزك ولدى مهاجمة سكن جامعة طهران من جانب وحدات الشرطة الخاصة وضباط يرتدون ملابس مدنية"، ولكنه أضاف أن تلك الجرائم تافهة "بالمقارنة مع الظلم الذي لحق بالنظام".
كما اعترف خامنئي بمقتل معتلقين في كهريزك (وهذا ما كان نفاه قائد شرطة طهران) وقال أن "التحقيق جارٍ في الحالات القليلة التي فقد أثناءها البعض حياتهم".
وقال "أنا لا أتهم قادة الأحداث الأخيرة بأنهم عملاء للأجانب، بما فيهم أميركا وإنجلترا، لأن ذلك لم يثبت لي".
وقد كشف موقع "برلمان نيوز" التابع للأقلية الإصلاحية في البرلمان الإيراني أن إقفال معتقل كهريزك تمّ بعد أن اكتشف خامنئي نفسه مسألة إغتصاب المعتقلين.
وحسب الموقع الإصلاحي فإن "الشهادة المباشرة لصحفي تعرض للإغتصاب في كهريزك وصلت إلى أحد كبار مسؤولي النظام، لعبت دوراً في إقفال المعتقل". ويُستخدم تعبير "أحد كبار مسؤولي النظام" في إيران عادة للإشارة إلى خامنئي نفسه.
وحسب "برلمان نيوز" فإن الصحفي الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه اعتُقِل أثناء الإحتجاجات وأطلق سراحه بعد أسبوعين بعد أن وصل خبر اعتقاله إلى "أعضاء مهمّين في مكتب المسؤول الكبير في النظام" تربطهم به علاقات تعود إلى سنوات عديدة.
وحسب التقارير، حينما زار الصحفي المسؤول الكبير وطلب منه المسؤول أن يجلس فإنه قال أنه لا يستطيع الجلوس! وحينما سأله المسؤول الكبير عن السبب، شرح بأنه تعرّض تكراراً للإغتصاب بواسطة عصا. وقد شعر المسؤول الكبير بغضب شديد بعد هذه الشهادة المباشرة.
وأضاف موقع "برلمان نيوز": "بعد يومين من ذلك، وبعد الحصول على مزيد من المعلومات والأدلة حول الانتهاكات المحظورة وغير الإنسانية التي جرت في كهريزك، فقد صدرت الأوامر للشرطة بإقفال المعتقل".
ونقل موقع "روز" عن عضو في لجنة المجلس التي تحقّق بالانتهاكات انه "ثبت حصول اغتصاب لبعض المعتقلين بواسطة العصي وقناني الصودا".
وهذه المعلومات تشكل تكذيباً صارخاً لمزاعم رئيس البرلمان علي لاريجاني وقيادة الشرطة الإيرانية بأن مهدي كروبي "اخترع" إتهامات اغتصابات المعتقلين.

منتظري: حكومة نجاد ليست إسلامية وليست جمهورية

نقل موقع "روز" الإيراني المعارض عن آية الله العظمى حسين علي منتظري أن "الحكومة الحالية (حكومة محمود أحمدي نجاد) ليست إسلامية وليست جمهورية"، وذلك ردّاً على خطاب وجّهه له 293 من الصحفيين والجامعيين والمثقّفين الإيرانيين.
وكتب منتظري: "لقد قدّمت مقترحات ونصائح كثيرة من أجل إيجاد طريقة للخروج من الأزمة المدمّرة الحالية، ولكن يبدو أن بعض السلطات الساعية إلى خدمة حياتها الدنيوية قد أغلقت أعينها، وقلوبها، وأرواحها، عن الحقيقة التي لم تعد تراها، ولا تسمعها، ولكنني لم أفقد الأمل نهائياً. فما زلت آمل أن تعود السلطات إلى رشدها قبل أن يفوت الأوان وقبل أن تلحق مزيداً من الضرر بالإحترام الذي تتمتّع به الجمهورية الإسلامية لدى الشعب في إيران وخارج إيران، الأمر الذي سيتسبّب بسقوطها وبسقوط الحكومة".
وتابع منتظري: "آمل أن تتخلّى السلطات المسؤولة عن المسار المنحرف الذي تتّبعه وأن تفيد حقوق الشعب المنتهكة، وأن تعوّض الشعب عن الأضرار، وألا تسمح ببقاء أفراد أبرياء في السجن حتى ليوم واحد، وأن تمتنع عن تعريض السلطة القضائية للسخرية عبر وضع حدّ للمحاكمات المزوّرة ولبث الإعترافات المخجلة".
وفي نهاية رسالته، قال منتظري: "على الأقل، ينبغي على السلطات أن تمتلك الشجاعة لتعلن بأن هذا النظام ليس جمهورية وليس إٍسلامياً، وأنه يُحظر على أي كان أن يعبّر عن آرائه وعن إنتقاداته".
وأجاب منتظري على سؤال حول الرواتب التي يقبضها العاملون في هيئة الإذاعة والتلفزيون، أو في الصحافة الحكومية، الذين "يلجأون إلى نشر أكاذيب وإلى تضليل المجتمع عن الحقيقة"، وكذلك عن رواتب رجال الشرطة "الذين يعاملون الناس بعنف أو المتورّطين في انتزاع الإعترافات". وقال: "الواتب التي يقبضها موظفو الحكومة لاضطهاد الناس حرام".
كما سأل أتباع منتظري عما ينبغي أن تفعله زوجات وأبناء الأشخاص الذين يعتمدون على مثل هذه الرواتب، وعما إذا كان على زوجاتهم وأبنائهم أن يهجروهم. وأجاب: "إن تلقّي راتب مقابل خدمة الشعب والإنخراط في نشاطات مشروعة ليس محظوراً، ولكن الطغيان بكل أشكاله حرام وغير مسموح. إن الرواتب التي يتم تلقيها مقابل إضطهاد الآخرين هي رواتب حرام".

الأحد، 23 أغسطس 2009

إفطار أمام سجن ايفين

عندما تتقطع الطرق بالعوائل الإيرانية في التعرف على مصير أبنائها المعتقلين بلا سبب إلا طلبا للحرية
فليس هناك من سبيل سوى البحث عن الحرية أيضاً
ولكن بالتجمع أمام سجن ايفين
يتشاطرون مع أحبابهم
"حالة" الإفطار المشترك
علَّهم في سجنهم
يشعرون ببعض
الحرية !












الجمعة، 14 أغسطس 2009

Siavash Ghomayshi - Rafigh

الأربعاء، 12 أغسطس 2009

إصلاح الولاية

في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية الاثنين 3-8-,2009 توقف رئيس مجلس الشورى علي لارجاني، طويلا عند ذكرى مرور مئة عام على ثورة المشروطة (1906)، كان يشيد بنجاحها في إقرار دستور يلزم الشاه بالرجوع إلى الشعب.
تعجبت من أني لم أسمع منه إشارة إلى (النائيني) ولا إلى كتابه المهم (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) والنائيني هو مفكر المشروطة (الحركة الدستورية) وكتابه هو الأثر الفكري الأهم لها بل والباقي منها.
لقد أشار المفكر العراقي فالح عبدالجبار مرات عدة ، إلى غياب محمد النائيني مؤسس فكرة المشروطة، من الذاكرة الرسمية، وعوضاً عن ذلك هناك طوابع بريدية تحمل صورة أكبر خصوم ثورة المشروطة، الذي انتهى إلى المشنقة لشدة دفاعه عن الشاه المستبد، وهو الشيخ فضل الله النوري.
لقد بحثت في (google) عن (خيبان نائيني) فلم أجد شيئاً، وبحثت عن (خيبان فضل الله النوري) فوجدت شارعا باسمه وميدانا باسمه، فقد أشاد به الإمام الخميني لاحقاً وأعاد الاعتبار إليه.
لقد احتفت الشهر الماضي مجلة الحكمة التي تصدر عن مكتب سماحة الشيخ حسين نجاتي، بـ (الذكرى السنوية (102) لشهادة آية الله العظمى الشيخ فضل الله النوري ''ره'') وقد جاء في هذا الاحتفاء الإشادة بموقفه المضاد للمشروطة ''كان لخطابات الشيخ النوري التوعوية وكتاباته للزعماء والرؤساء تأثير بالغ في منع الأمة التصويت على ما عرف بـ (المشروطة)''[1].. لم يرد في هذا الاحتفاء أية إشارة إلى آية الله المحقق النائيني الذي وقف ضده النوري.
أشاد (لارجاني) بحيوية الشعب الإيراني ومكانة الدستور في تاريخه وحياته السياسية. وكأنه يشير إلى أن تنصيب نجاد اليوم وفق قواعد صلاحية الدستور، هو إحدى ثمار هذه الحركة الدستورية بتاريخها العميق في نفوس الإيرانيين.
الحركة الدستورية التي كانت محل خلاف بين فقهاء ومراجع كبار، هي اليوم تراث وتاريخ قومي وديني ومذهبي، هي محل فخر واحتفاء وإن لم تكن محل إجماع بالمفهوم الذي قدمه النائيني للمشروطة. لكن الحديث عن الحركة الدستورية بشكل عام دون الحديث عن كتاب النائيني بشكل خاص، يجعل من استعادة هذه الحركة، نوعا من الاحتفاء لا نوعا من المراجعة النقدية. وأشدد هنا على المراجعة النقدية نظراً للمأزق الذي فيه اليوم نظام ولاية الفقيه.
ما الفرق بين كتاب النائيني (تنبيه الأمة) وكتاب الإمام الخميني(الحكومة الإسلامية)؟
ما الفرق بين مفهوم الولاية فيهما؟
وما الفرق بين سلطة الفقهاء فيهما؟ وكيف يرى كلاهما الدستور؟
هذه الأسئلة أثيرها من أجل فهم موقف الثورة ثورة الولاية (ولاية الفقيه) من حركة المشروطة ممثلة في كتاب النائيني؟
يمكن أن نجمل الفرق بين الاثنين في أفق الحل الذي كان يتحرك من خلاله كلاهما،
كان النائيني يتحرك من أفق (الدستور هو الحل)،
وكان الإمام الخميني يتحرك من أفق (الفقيه هو الحل).
الأول راح ينظّر للدستور ويؤصل لشرعيته،
والثاني راح ينظّر لنيابة الفقيه ويؤصل لولايته المطلقة.
فقيه الإمام هو الذي سيضع الدستور من مدونته الفقهية وهو الذي سيقيم الدولة وستكون سلطته قاهرة في الدولة، وفقيه النائيني سيكون مرجعاً للتأكد من عدم معارضة الدستور للشريعة. لن يكون الدستور من الشريعة، ولن يكون معارضا لها. في حين سيكون الدستور في السلطة القاهرة من الشريعة.
في كتاب الحكومة الإسلامية يحدد الإمام الخميني مفهومه للولاية بأنها سلطة تنفيذية مباشرة''يجب إقامة الحكومة والسلطة التنفيذية والإدارية. إن الاعتقاد بضرورة تأسيس الحكومة وإقامة السلطة التنفيذية والإدارية جزء من الولاية''[2]..
هي جزء من ولاية الفقيه، سيكون الفقيه ليس فقطاً منفذاً ومالكاً بولايته للسلطة التنفيذية بل هو أيضاً القانوني المشرع الذي يملك السلطة التشريعية ''بما أن حكومة الإسلام هي حكومة القانون، فيجب أن يكون علماء القانون، بل والأهم علماء الدين ـ أي الفقهاء ـ هم القائمون بها، والمراقبون لجميع الأمور التنفيذية والإدارية، وإدارة التخطيط في البلاد. الفقهاء أمناء في إجراء الأحكام الإلهية، وأمناء في استلام الضرائب، وحفظ الثغور، وإقامة الحدود. فيجب ألا يتركوا قوانين الإسلام معطَّلة''[3].
تتحدد هوية الحكومة الإسلامية وفقا مفهومها للمشروطة (الدستور) فالدستور في هذه الحكومة لا يخضع للعبة الديمقراطية بل لشروط الكتاب والسنة والقانون الإلهي الحاكم للناس''الحكومة الإسلامية لا هي استبدادية ولا مطلقة، وإنما هي مشروطة. وبالطبع ليست مشروطة بالمعنى المتعارف لها هذه الأيام، حيث يكون وضع القوانين تابعاً لآراء الأشخاص والأكثرية. وإنما مشروطة من ناحية أن الحكام يكونون مقيدين في التنفيذ والإدارة بمجموعة من الشروط التي حددها القرآن الكريم والسنَّة الشريفة للرسول الأكرم (ص). ومجموعة الشروط هي تلك الأحكام والقوانين نفسها الإسلامية التي يجب أن تُراعى وتنفذ. ومن هنا فالحكومة الإسلامية هي (حكومة القانون الإلهي على الناس)'' [4]..
هذا الفهم للولاية التي مرجعها الفقيه ومنفذها الفقيه ومشرّعها الفقيه، يجعل من الولاية ولاية قاهرة، تملك جميع الأدوات بيدها، وتقدم نفسها بصفتها تمثيلا لحكومة القانون الإلهي على الناس، لا قانون الناس الدنيوي. في مقابل هذا الأفق المشغول بأسلمة كل سلطات الدولة لتكون وفق الضمانة الإلهية. نجد فهم النائيني للولاية لا يتجاوز غاية رفع الظلم والاستبداد عن الناس، ''أما الدستورية (المشروطة) فهي تعني فيما تعنيه استرداد الحرية من الغاصبين''[5].
المشروطة محددة برفع الظلم والجور والاستبداد، هي مجموعة من القوانين التي تحد من اغتصاب حرية الناس، لم يكن مشغولاً بأسلمة القوانين ولم يكن يعنيه من أين تأتي، كان يعنيه ألا تتعارض مع أحكام الشريعة، لم تكن تشغله فكرة أن الشريعة تغطي الدولة وفيها كل أحكامها، ''الدستور المقترح في باب السياسة والنظام بمثابة الرسالة العملية للمقلدين في أبواب العبادات والمعاملات... يكفي لصحته ومشروعيته عدم مخالفة فصوله للقوانين الشرعية. ولا يعتبر أي شرط آخر في صحته ومشروعيته''[6].
لم يكن يشغله أسلمة القوانين، بل وضع قوانين تلزم وتلجم المستبد ''وأما مع عدم إسباغ الصفة الشرعية والإلهية وعدم نسبة الحكم إلى الشارع المقدس، فإن أي لون من الإلزام والالتزام سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي لا يعد بدعة ولا تشريعا. مثل النوم والاستيقاظ والأكل في ساعات محددة أو كأن يلتزم أفراد الأسرة أو القرية بتنظيم أمورهم على وجه خاص وطراز خاص''[7].
ليس للفقيه ولاية تلزم في الأحكام غير الأحكام المنسوبة للشارع المقدس، هي أمور تنظيمية لا تنتظر مطابقتها مع القانون الإلهي. الإمام الخميني كان يرى كل الأمور تحتاج إلى إلزام الشارع المقدس، ومن ثم فهي تحتاج إلى ولاية الفقيه المطلقة في كل الأمور.
هكذا، إذن ثمة فرق أو تعارض بين ولاية الفقهاء التي لا تتجاوز التأكد من عدم معارضة بنود الدستور للشريعة، كما هو الأمر مع النائيني، وبين ولاية الفقهاء التي تتجاوز مطلق الأمور.
لن تجد الثورة في المفكر والفقيه النائيني ما يعزز من مفهومها للولاية المطلقة، بل ستجد تعارضا معه، فهو لم يكن مشغولا بقضايا الحيض والنفاس في زوايا النجف كما كان يشير الإمام الخميني إلى هذا الصنف من الفقهاء، ولم يكن بعيداً عن الانشغال بالقضايا السياسية والمعارضة كما هو الأمر مع الفقهاء الذين عارضوا الإمام الخميني وانخراطه في القضايا السياسية.

علي الديري
كاتب وباحث بحريني
هوامش
[1]مجلة الحكمة، العدد8 ,220/7/.2009
[2]، [3]، [4] الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية.
[5]، [6]، [7] تنبيه الأمة وتنزيه الملّة، المحقق النائيني، تعريب عبدالحسين آل نجف، ص,155ص,106 ص164