الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

طبطبائي ينتقد حكومة نجاد لاهتمامها بالطاقة النووية


وجّه حجّة الإسلام سيد مهدي طباطبائي شيرازي، الذي يعرفه الإيرانيون بسبب عظاته الأخلاقية على التلفزيون الرسمي الإيراني، انتقادات عنيفة للرئيس محمود أحمدي نجاد ومساعديه، وذلك في نقاش تمّ بثّه مباشرة على القناة الثانية في التلفزيون الإيراني.
أخطر ما جاء في كلام حجة طباطبائي هو التشكيك علنا ومن خلال التلفزيون الحكومي بـ"أولوية" مسألة الطاقة النووية، وهذا غير مسبوق في إيران.
وردّا على تركيز النظام على الطاقة النووية، قال طباطبائي: "لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟" وأكمل قائلاً إن حق الناس في الزواج والحصول على منزل وعلى عمل يعتبر أولوية أهم.
خطورة هذا الكلام من رجل دين محسوب على النظام هو أنه يعكس ما تفيد المعلومات الواردة من طهران من أن الشعب الإيراني بات يعتبر مشروع الطاقة النووية مشروع أحمدي نجاد ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي، وليس مشروعاً وطنياً إيرانياً ينبغي الدفاع عنه. وهذا التطوّر يسقط حجّة الغرب الذي كان يتخوّف من أن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية سيدفع الإيرانيين للإلتفاف حول النظام.
كذلك، يلفت حديث طباطبائي النظر إلى تخوّفه الشديد، مثله مثل معظم المراجع الدينية في قم، من أن سياسات النظام تُبعد الناس عن المذهب الشيعي. وحول هذه النقطة التي أصبحت شبه كابوس لكبار رجال الدين (بعد أن أصبحت المساجد خاوية في ساعات الصلاة)، قال: "أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
أخيراً، وفي تلميح شفاف إلى أحمدي نجاد، يقول طباطبائي: "من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين".
وفي مطلع الحلقة، قال طباطبائي لمقدّم البرنامج مرتضى حيدري: "أريد أن أوضح بأنني لا أسمح لك باستخدام ما سأقوله في هذه الحلقة من أجل ما تفكّر به أنت".
وردّاً على سؤال حول كيفية انتشار "الشائعات" في المجتمع، قال طباطبائي: "حينما تكرّر العزف على نفس الموضوع، فإنك تخلق شكوكاً لدى المستمعين. لقد هنّأت الرئيس أول مرة لإعادة إنتخابه، وذلك يكفي. فلماذا تلحّ وتكرّر أن الملايين شاركوا في الانتخابات واقترعوا لشخص معيّن قبل أن تعود لتهنئته مجدّداً؟، كم مرّة ستعبّر عن تقديرك لمشاركة الناس الكبيرة. هنالك مَثَل يقول: لقد أخبرتني مرّة، فصدّقتك. وأخبرتني مرة ثانية، فبدأت الشكوك تساورني. وفي المرة الثالثة، بتّ متأكّداً أنك تكذب. من الأفضل لرجل بات الآن رئيسا للبلاد أن يسأل الذين أيّدوا خصومه ماذا يريدون لكي يستطيع، كرئيس، أن يعبّر عن وجهات نظرهم أيضا". وأضاف: "الأنبياء كانوا متواضعين، وأظهروا اللين حينما تعرّضوا للهزء والسخرية. نحن لسنا أنبياء، ويجدر بنا أن نعتذر للشعب، على التلفزيون، عن الأخطاء التي ارتكبناها".
وعاد مقدّم الحلقة، الذي بدت عليه الصدمة من كلام طباطبائي ليسأل عن أسباب انتشار "الشائعات" في المجتمع. وأجاب طباطبائي قائلا: "المجتمع يشبه جسم الإنسان. حينما يعمل بصورة جيدة فإنه يكون متوازناً. ولكن حينما نعبّر عن نزعات متطرّفة فإن النتائج تكون مثل ما نراه اليوم. أنت طبيب، ولذا فأنت تعرف أنه لا ينبغي لك أن ترشّ الملح على الجُرح، بل عليك أن تضمّده. لا نستطيع أن نَخفض رؤوسنا وأن نظن أن الناس لا يرون حقيقة ما نفعل. كلا، الناس يفهمون الأمور جيّداً. لا ينبغي أن نقول أن كل ما يقوله الشعب هو أكاذيب. أريد أن أقول للناس أن هنالك طرقاً أسهل وأقل تعقيداً لكي يُسمِعوا أصواتهم. ولكن الشخص الذي يكذب يبدّل رواياته باستمرار ويشعر بالذعر. ليشهد الله على أنني استخدمت هذه الفرصة لأقول كل ما ينبغي قوله".
وأضاف "الشخص الضعيف وغير القادر على ممارسة مسؤولياته يتّهم الآخرين دائماً. من يتقلّد منصباً ليس مؤهلاً له يجدر به أن يتنحّى عن مسؤولياته، بدلاً من أن يتّهم الآخرين. لا تظنّ أنني مستعد أن أفعل أي شيء من أجل الجمهورية الإسلامية ومن أجل الحفاظ على المؤسسة. كلا. كثيرون يسألونني لماذا لا أتقلّد منصباً رفيعاً مع أنني من قدامى رجالات الثورة. وأنا أجيبهم دائماً: لأنني لا أعرف كيف أزحف للحصول على منصب".
وهنا طلب مقدّم الحلقة من طباطبائي أن يقول للناس من هو الشخص الذي كان "القائد" (خامنئي) يفكّر به حينما أعلن أنه "لا ينبغي نشر الشائعات عبر توجيه الاتهامات".
فرد طباطبائي بأن "القائد" كان يخاطب الأمة كلها، بما فيها الأشخاص العاجزين والغاضبين. وأضاف: "لا ينبغي لك أن تكثر التفكير في هذه النقطة وأن تصمّم على تحديد شخص معيّن كان القائد يقصد تحذيره هو بالذات. حينما يعود طفل من المدرسة إلى البيت وينادي أمّي ولا يردّ عليه أحد، فإنه يكرّر النداء. وفي المرة الثانية، فإنه يرفع صوته ويظهر عليه ردّ فعل. وفي المرة الثالثة، فإنه قد يشرع حتى برمي الصحون.. لماذا لم تسمعوا نداء الطفل من المرة الأولى حتى أصبحتم مضطرّين الآن للقيام بما تقومون به؟ ما أريد أن أقوله هو أنه ينبغي معالجة الوضع وليس دفعه نحو مزيد من السوء. وللحؤول دون زيادة التوتّرات، ينبغي لنا أن نسعى لإعادة الهدوء المفقود".
وأضاف: "الطاقة النووية مسألة مهمّة وهي حقّ لنا لا يجوز التنازل عنه. ولكن أليست القدرة على الزواج وبناء منزل والحصول على وظيفة، هي حقوق لا يمكن التنازل عنها أيضاً؟ أليست لهذه المسائل أولوية على الطاقة النووية؟ لماذا تصرّون على شيء لا يمثّل أولوية وتُخفون ما يمثّل أولوية حقيقية خلفه؟ حينما عاد الإمام الخميني إلى البلاد، فإنه لم يقُل: جلبت لك الطعام والماء، لأن الناس كانوا في بحبوحة آنذاك. بالأحرى، فقد قال: لقد جلبت لكم الروحانية. في ذلك الحين، كانت الروحانية في خطر، ولذلك كانت الأولوية للإيمان في ذلك الحين".
وهنا سأل مقدّم الحلقة عن كيفية انتشار الشائعات والاتهامات في صفوف النخبة، فأجاب:
"لا ينبغي أن نعتبر أن أي تقرير وأي اتهام بمثابة إطلاق مزاعم. بالأحرى، علينا أن نأخذ التقرير ونحقّق حوله، لأننا إذا لم نفعل ذلك فستتوقّف التقارير. إن ديننا نفسه ينصحنا بتحمّل المسؤولية. للحؤول دون انتشار الشائعات علينا أن نتوقّف عن ترديد أشياء غير مهمّة تخفي خلفها أشياء مهمّة. إن أفعالنا لا ينبغي أن تكون من النوع الذي يُبعِدُ الناس عن الإيمان. إنهم يسألون: لماذا ظلّت النخبة صامتة؟ أنا لا أعتبر نفسي من النخبة، ولكن ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟ أن نخرق الصمت لكي تشهّروا بسِمعتنا؟ ولكي تدمّروا مصداقيّتنا؟ إذا كنتم تريدون أن تعيدوا الإيمان للناس، فعليكم أن تفعلوا مثلما حصل في مطلع الثورة: استخدموا السياسيين للسياسة. أما شؤون الدنيا، فاتركوها لـمراجع التقليد. الدين ينبغي أن يُترَك لرجال الدين، وليس للعامّة. أنا لا أعرف شيئاً عن الهندسة، ولذا فإنني لا أتدخّل في الشؤون الهندسية. والشيء نفسه ينطبق على شخص لا يعرف شيئاً عن الدين. فعليه أن يمتنع عن إبداء آرائه في الشؤون الدينية".
وأضاف "ينبغي للسيد (إسفنديار رحيم) مشائي أن يكتفي بالتعبير عن آرائه في حدود ما يفهم به وألا يتعدّاها إلى سواها. مؤخراً، كتب هذا السيد (أحمدي نجاد) في رسالة أن حكومته هي أكثر حكومات القرن الماضي ورعاً وإيماناً. ماذا يعني ذلك؟ حاشا الله! هل يعتبر نفسه أكثر ورعاً من الإمام الخميني؟ لقد عشت حياتي ولم يبقَ لي الكثير. ولكنني أودّ أن أطلب من الشعب أن يسامحني إذا كنت - لا سمح الله - قد قصّرت في تأدية واجبي للحؤول دون ابتعاد الناس عن الإيمان".
نقلا عن موقع "شفاف"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق