
والتسميات والألقاب السابقة لا تنبع من فراغ. فتلك الفتاة التي لقيت مصرعها بنيران قوات التعبئة (الباسيج) خلال الاحتجاجات، وصفها البعض بأنها الدليل الواضح على عنف النظام الإيراني، فيما وصفها آخرون بأنها مصدر إلهام للمعارضين والإصلاحيين وأنها قد تحقق الأهداف التي لم تنجح الاحتجاجات المتواصلة إنجازها، بل ذهب البعض الآخر إلى القول إنها باتت الخطر الأكبر الذي يواجه النظام الإيراني منذ 30 عاما، حيث تهدد عرش الولي الفقيه علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد بقوة.
وكانت الشابة الإيرانية، وعمرها 26 سنة، اشتهرت عندما ظهرت في شريط فيديو نشر على الإنترنت وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويظهر شريط الفيديو والد ندا سلطان وهو يصرخ طالبا منها أن تفتح عينيها، بينما كان يردد شخص آخر "لا تخافي"، لكن جهود إنقاذها باءت بالفشل.
واستخدم متظاهرون فيما بعد صورتها ووجهها الملطخ بالدماء، كما تداولت اسمها وصورها المواقع الإلكترونية بأنواعها، وقال خطيبها كاسبيان ماكان لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إن ميليشيا الباسيج الموالية للحكومة منعت أسرة سلطان من إقامة مجلس تعزية في أحد مساجد طهران، خوفا مما قد يترتب على ذلك، موضحا أن ندا أصبحت رمزا لاحتجاجات المعارضة.
وفجر ما كان مفاجأة مفادها أن خطيبته لم تكن تشارك في الاحتجاجات، بل كانت جالسة في سيارة مع مدرسها للموسيقى عندما قررت الخروج منها بسبب الحر، قائلا: "خرجت لدقائق معدودات فقط ثم تلقت الرصاصة القاتلة، الباسيج الذين كانوا بثياب مدنية استهدفوها، ولم يكن حادثا".
الصحافة الغربية لم تكن بالطبع لتفوت مثل تلك الفرصة لكشف عنف النظام الإيراني، حيث نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية الشريط الذي يظهر اللحظات الأخيرة لحياة الشابة الإيرانية بعد إطلاق النار عليها من قبل أحد مسلحي الباسيج، موضحة أن الطريقة التي قتلت بها ندا وهي طالبة تدرس الفلسفة ترمز إلى عنف النظام الإيراني.
ونقلت الصحيفة عن أحد الإيرانيين قوله: "إن الرمق الأخير لندا هو بداية أمل للإيرانيين داخل الجمهورية الإسلامية"، كما نقلت عن أحد المحللين الإيرانيين قوله إن صورة مقتل ندا ستبقى أبدا في الذاكرة الجماعية للإيرانيين وستقض مضجع النظام الإيراني إلى الأبد". وانتهت الصحيفة إلى القول إن ندا التي كثرت مقارنتها بالطالب الذي تحدى الدبابات في ميدان تينانمين في الصين عام 1989 أصبحت بمثابة "ايقونة ومصدر إلهام للمعارضين في إيران".
من جانبها علقت صحيفة "الإندبندنت" على الشريط ، قائلة: "نادرا ما صور ذبح شخص بريء بهذا الشكل ولم يحصل أن أرسل شريط مصور حول العالم بهذه السرعة على الرغم من كل الرقابة التي تمارسها السلطات الايرانية على نشر المعلومات".
كما تناولت صحيفة "الغارديان" الموضوع من زاوية الطريقة التي أرسل بها الشريط من طهران إلى حامد، وهو لاجيء إيراني في هولندا، قائلة: "إن الشريط وصل إلى حامد بواسطة صديقه في طهران الذي صور الحادث، وبعد دقائق من تلقي حامد للشريط في بريده الإلكتروني وبعد أن وضعه على فيس بوك وتويتر ويوتيوب، أصبح يشكل الخطر الأكبر الذي يواجه النظام الإيراني منذ 30 عاما".
واختتمت الصحيفة قائلة إنه خلال الأحداث التي سبقت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، شكلت المسيرات التي نظمت في الذكرى الأربعين لمقتل متظاهرين نقطة تحول أدت إلى إسقاط نظام الشاه.
ويبدو أن الحملة الإعلامية الشرسة السابقة أحرجت الغرب ودفعته للتحرك على طريق عقاب إيران سواء كان ذلك عبر تبادل طرد الدبلوماسيين بين طهران ولندن أو من خلال خروج أوباما عن صمته وخاصة بعد تصاعد انتقادات الجمهوريين لسياسته تجاه إيران .
ففي 23 يونيو، انتقد أوباما صراحة قمع المتظاهرين في إيران، كما انتقد الطريقة البشعة التي قتلت بها ندا، وذلك رغم تحفظه منذ البداية على إدانة أعمال العنف، لتجنب اتهامه بالتدخل في شؤون إيران وبالتالي القضاء على فرص الحوار مستقبلا بين طهران وواشنطن والتي يعول عليها أوباما كثيرا لإنقاذه من المأزق في أفغانستان والعراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق