الأربعاء، 24 يونيو 2009

ولقبر عمر أرسل سلاماً

جعفر رجب
لم تعد السجادة الفارسية التي تنولها ببراءة صبايا فارس، والتي يغرق في جمالها هائما من يعرف اسرارها، ولا رباعيات الخيام التي تجعلك حكيما عاشقا تسكرك الكلمات، ولا مساجدها الجميلة التي تعانق زرقة قبابها قبة السماء، ولا اعمدة البيرسبوليس التي تقف شامخة، وتذكرنا «بأمجاد ملوك الفرس القدماء»، ولا أصفهان بقصورها، وشيراز بحدائقها، ومشهد بأضرحتها، ولا كورش بهيبته، وكسرى بايوانه، وابن سينا بعلمه، والفارابي بفلسفته، ومولانا جلال الدين بحكمته، تمثل وجه إيران! شيء واحد يمثل وجه إيران الآن، انه وجه احمدي نجاد!ونجاد لا تكتب بالجيم بل بالراء المثقلة بثلاث نقاط فوقها، وما اكثر النقاط التي تسقط من فوق الحروف، وتتزحلق تحتها، وما اكثر النقاط التي اثارت شباب إيران فخرجت غاضبة متوشحة باللون الأخضر، عندما شاهدت ارادتها تزوّر في الليل الأسود..!المظاهر لم تخدعني، فصورة نجاد وملابسه الرخيصة ومشيته وتصرفاته، يحمل شكلا متواضعا، بجوهر غرور بحجم جبال زاجروس في أفكاره وآرائه. فهو وأنصاره الحق والطهارة والنظافة المطلقة، في مقابل جموع فاسدة، شاذة جنسيا ووسخة - وهي مصطلحات استخدمها حرفيا في وصف منافسيه - رجل يؤمن بانه احد الجنود المقربين للامام المهدي، ويريد ان يهيئ له سبل الظهور ليملأ الأرض عدلا ولو على حساب ظلم الناس! وكأننا أمام نسخة كربونية إيرانية للمحافظين الجدد في اميركا!الشعب قال كلمته والنظام قام بفعلته والفتاوى كعادتها السنوية واليومية تحلل للمؤمن التقي السائر على خط الامام ما تحرمه على الناس، فالتزوير والكذب والخداع جائز شرعا، وبالضرورة واجب، بل هو تكليف على كل فرد ان يخدع ويدلس ويكذب ويزوّر... ان كان ذلك في سبيل رفعة الإسلام، والإسلام هنا يعني نجاد... اختطفت الصناديق وأوراق الاقتراع وعلامات «الصح» التي كانت تزين اسم موسوي، لأن حراس الثورة وسدنتها سرقوا الثورة! ورواية «مزرعة حيوان» - جورج اورويل - تكرر نفسها مرات ومرات ومرات!لست هائما حبا في الانظمة الدينية، ولا عاشقا لموسوي - رغم انه حكم إيران في الحرب مع العراق ثماني سنوات دون ان يحمل خزينتها دينا ولو بفلس واحد، في حين هجم الفقر على الفقراء في عهد نجاد والعصر الذهبي للنفط - ولكنني أؤمن بأن الشعب كان يريد قول كلمته، وكان يريد التغيير، وفقا لقواعد اللعبة التي وضعها النظام... ولكن النظام في إيران اكتشف ان القوانين ليست في صالحه هذه المرة، والسحر انقلب على الساحر، فلم يلتزم بأصول اللعب النظيف، لذلك اخرج الساحر من «قبعته» أحمدي نجاد، حتى لو آمن كل الشعب ان موسوي سيخرج منه!سيدركون قريبا بأن تغيير اصول اللعبة ليس في صالحهم، «ورب أكلة منعت أكلات»، ورب قضمة لتفاحة السلطة الآن ستكون سببا في خروجهم من جنة السلطة لاحقا، بعد عام أو عشرة أو عشرين... انها لا شيء في بلد عمره خمسة آلاف سنة... «إنها بداية القصة»!يقال، قبل الف عام، كانت لإيران ثلاثة وجوه عاشت في الفترة نفسها؛ الشاعر عمر الخيام، ورجل الدولة نظام الملك، وزعيم الحشاشين حسن الصباح، رحل الثلاثة، وارتفعت ارواحهم الى السماء، الا روح الخيام، ظلت تحوم - ومازالت - حول سهول فارس وجبالها وأنهارها... تنشد رباعياته صباحا ومساء، لتحيي حدائقها التي فقدت روحها ورائحتها، مؤمنة بأن أمة أنجبته لا تموت... وأؤمن بأن وجوه الطغاة «بمسمياتهم كافة» ستفنى، وتصبح نسيا منسيا، ويبقى وجه عمر الخيام ممثلا شرعيا، ودون تزوير!
جعفر رجب jjaaffar@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق