الأحد، 28 يونيو 2009

هل الحكم الاستبدادي الإيراني في واد، والشعب في واد آخر؟

كاظم حبيب
حين انطلقت الثورة الشعبية الإيرانية قبل ثلاثين عاماً، قرر الشاه الإيراني عدم استخدام القوة والسلاح لضرب جموع المتظاهرين، بل أجبر على التراجع والهروب من إيران. فانتصرت ثورة الشعب العارمة والسلمية. إلا أن هذه الثورة الشعبية سُرقت في غفوة وغفلة من التاريخ من الشعب لصالح الحوزة الدينية التي كانت قيادتها في حينها للسيد الخميني. وانفرد شيوخ الدين بالحكم ووجهوا تدريجاً الضربات تلو الضربات للقوى السياسية العلمانية والدينية المعتدلة التي كانت وقوداً للثورة لسنوات طويلة. فامتلأت السجون الإيرانية بالقوى التي عارضت الشاه وناضلت ضده وساهمت في إسقاطه. وتعرض السجناء الجدد إلى التعذيب النفسي والجسدي والقهر اليومي في محاولة إلى إجبارهم على تنفيذ ما يسمى بـ " التوبة "، أي العودة إلى الدين الإسلامي، كما يفهمه الحكام الجدد، وكأن كل هؤلاء كانوا خارجين عن الدين الإسلامي، ولكنهم بالقطع لم يكونوا طائفيين كالحكام. وبدأت أساليب العنف والإرهاب والاستبداد تمارس إزاء المطالبين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية واضحةً في سلوك النظام "الإسلامي" منذ بداية هيمنة شيوخ الدين على السلطة السياسية وبناء أجهزتها القمعية، ومنها "الحرس الثوري" الإيراني، الذي لا يختلف في التخلف الفكري والممارسة الفعلية قيد أنملة عن فكر وممارسات الحرس القومي الذي شكله حزب البعث في أعقاب إسقاط الجمهورية الأولى في بغداد في شهر شباط الدموي في العام 1963.
وحين انطلقت انتفاضة الشعب الإيراني الجديدة بعد ثلاثين عاماً بسبب التزوير المريع للانتخابات وفرض فوز الفاشي الجديد محمود احمدي نجاد المرتدي لباس الدين والمتخفي وراء سيده الخامنئي، جوبهت، على عكس ممارسة نظام الشاه قبل ثلاثين عاماً، هذه الانتفاضة السلمية المناهضة لنتائج الانتخابات بالعنف الدموي والسلاح والقتل في شوارع طهران. وقد استخدم حكام إيران أصحاب الملابس المدنية (البسيج) والحرس الثوري وأجهزة الأمن الداخلي والشرطة الرسمية وقوى من الجيش لممارسة القتل العمد ضد المتظاهرين. وسقطت ورقة التوت عن عورة شيوخ الدين الحاكمين في إيران وظهرت أيديهم الملطخة بدماء البريئات والأبرياء الذين استشهدوا في زنزانات النظام خلال العقود الثلاثة المنصرمة. علينا أن نتذكر بأن نظام صدام حسين قد دام هو الآخر أكثر من ثلاثة عقود ولكنه انتهى إلى حيث وبئس المصير!
لم تكن نتائج الانتخابات الأخيرة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير في إيران، إذ أن الأزمة في إيران أعمق بكثير من تزوير تلك النتائج وإعلان فوز احمدي نجاد فيها بعكس الفوز الفعلي لمرشح المعارضة السيد حسين موسوي. فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الانتفاضة، وهل ستنتهي أم ستكون لها تداعيات كثيرة لاحقة؟
1. المصادرة الفعلية من جانب الفئة الحاكمة لحرية الإنسان وحقوقه المشروعة وتدخلها في حياة الفرد الخاصة، رجلاً كان أم امرأة، عبر نشر ودور أجهزة الأمن والمخبرين والجواسيس في أنحاء البلاد، وهؤلاء جميعاً يحصون كل حركة من جانب أفراد الشعب ويتربصون بهم وغالبا ما ينتهي أمر الكثير منهم إلى الاعتقال الكيفي والزج في السجون.
2. تفاقم البطالة بين القوى القادرة على العمل واتساع ظاهرة الفقر المدقع بين الناس وتفاقم المشكلات الاجتماعية التي لم تعد محتملة حتى أن الإنسان الإيراني يتحدث عن "الموت التدريجي لحياة الإنسان في إيران " "زنديگي ما مرگ تدریجی"، كما عبر عن ذلك أحد ركاب باصات نقل الركاب العامة في طهران لصاحبه في العام 1988 حين كنت لفترة قصيرة في طهران في تلك السنة.
3. تنامي متواصل للفجوة المتسعة بين حياة أفراد الفئة الحاكمة والمهيمنين على أجهزة الدولة وحواشي الحكومة من قوى الحوزة الدينية من جهة، وقوى الشعب المنتجة والكادحة والفقيرة والمعدمة من جهة ثانية، إضافة إلى تفاقم الفساد المالي والإداري بشكل يصعب تصوره، فالعمامة والعباءة أصبحت من أكثر رموز الفساد المالي والإداري في البلاد التي تغطي تحتها تلك المفاسد. وهذا لا يعني أن جميع من لبس العمامة والعباءة هو من هذا الصنف السيئ من شيوخ الدين، ولكن الغالبية العظمى من الحكام ومن المحسوبين على الحكم الراهن. وقد ذكرني ذلك بقصيدة الشاعر محمد صالح بحر العلوم حين قال:
ليتني أسطيع بعث الوعي في بعض الجماجملأريح البشر المخدوع من شر البهائموأصون الدين عما ينطوي تحت العمائممن مآس تقتل الحق وتبكى: أين حقي؟!يا ذئابا فتكت بالناس آلاف القرونأتركينى أنا والدين فما أنت ودينيأمن الله قد استحصلت صكاً في شؤونيوكتاب الله في الجامع يشكو: أين حقي؟!
4. الاضطهاد المشدد الذي تتعرض له وتعاني منه المرأة الإيرانية سواء بحرمانها الفعلي من المشاركة في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو فرض سلوكيات معينة عليها لا تتناغم مع حرية الإنسان في ما يفترض أن يسلكه في حياته الخاصة.
5. تفاقم سياسة عسكرة الاقتصاد الإيراني، سواء عبر استيراد المزيد من السلاح أم التوسع في إنتاجه محلياً لإقامة أوسع ترسانة عسكرية في منطقة الخليج، بسبب سياساتها التوسعية في المنطقة وسعيها المستمر لتصدير السلاح للحركات المناهضة للنظم المحلية في تدخل مباشر لها في شئون الدول الأخرى. وهي السياسة التي تكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة تبعد تلك الأموال الحكومية عن البناء الاقتصادي السلمي وتوفير فرص عمل للعاطلين وتحسين مستوى حياة ومعيشة السكان، وخاصة الفقراء والكادحين والفلاحين.
6. التوجه نحو إنتاج السلاح النووي والصواريخ ذات المدى المتوسط والبعيد، إذ أن إيران تسعى على فرض سياستها في المنطقة وإخضاع حكومات دول المنطقة لسياستها وإرادتها. وهي التي تكلف بدورها خزينة الدولة مبالغ طائلة وتزيد من المصاعب المالية في البلاد وتنعكس سلباً على حياة الفرد. وخير مثال على ذلك حب الله الإيراني في إيران، والحماس ذات النهج الإيراني والتمويل والتسليح الإيراني في فلسطين المحتلة.
7. الهجرة المتزايدة لمزيد من الناس من إيران إلى بقية بلدان العالم لأسباب ثلاثة أساسية:
أ‌. تفاقم الاستبداد ومناهضة قوى المعارضة والخشية من الاعتقال والقهر السياسي.
ب‌. تفاقم البطالة والرغبة في العيش بحرية وكرامة في الدول الأخرى.
ت‌. تفاقم السياسة الشوفينية المناهضة لأتباع القوميات الأخرى وعدم منحهم حقوقهم القومية المشروعة، إضافة إلى السياسة الدينية والمذهبية الضيقة والطائفية الشيعية ضد أتباع المذاهب الدينية الأخرى.
ويقدر عدد المهاجرين الإيرانيين المقيمين في الخارج بأكثر من عشرة ملايين إنسان، أغلبهم في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية وفي استراليا والدول المجاورة.
8. التدخل الفظ في الشأن الداخلي للدول الأخرى بهدف تصدير الثورة الإيرانية والمذهب الشيعي ومعاداة المزيد من دول العالم بهدف فرض كونها الدولة الأكبر والأقوى والأكثر تسلحاً في منطقة الخليج وربما الشرق الأوسط وبرغبة التحكم بسياسات الدول الأخرى وتقديم الدعم لقوى المعارضة فيها من منطلقات قومية شوفينية ودينية وطائفية متطرفة.
إن سياسات معاداة مصالح الشعب ومطالبه وممارسة القوة والعنف الدموي في مواجهة ذلك ستزيد من حدة التناقض وشدة الصراع بين الفئة الحاكمة المرتبطة بالخامنئي واحمدي نجاد وتلك المجموعة من الحوزة الدينية التي تقف خلفها ومرشدها الأعلى، وبين الجماهير الشعبية الواسعة المتزايدة غضباً وإصراراًً على التغيير. ومن هنا يمكن القول بأن ما بدأ في الانتفاضة الأخيرة لا يمكن إسكاته، وما لا ينجح اليوم سينجح غداً، فعملية التناقض والصراع ستنموان من الناحية الكمية خلال الفترة القادمة لتفرض تحولاً نوعياً جديداً للوضع القائم والذي يمكن أن يقضي على الدولة الدينية الطائفية المتطرفة في إيران لصالح حرية الإنسان والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان المشروعة والطبيعية ورفض تصدير الثورة والتدخل في الشأن العراقي والدول الأخرى، وخاصة لبنان وفلسطين واليمن.
عن موقع "عبدالرحيم الوالي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق